شهر بعد اليوم الوطني

نورة العمرو
نورة العمرو
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط
4 دقائق للقراءة

أما وقد احتفلنا بيوم وطننا وجددنا العهد على التآخي والترابط الذي وحد على أساسهما المؤسس المملكة، فإن أحداث الشارع السعودي بعد شهر فقط من اليوم الوطني بحاجة إلى تحليل وتفسير.

بعد شهر فقط من يومنا الوطني، تتعرض فتيات في المنطقة الشرقية لتحرش في وضح النهار ويتم تصويره بدم بارد، وبعد شهر فقط، يقتل خمسة أشقاء على يد سائق مخمور في الرياض، وبعد شهر فقط يضرب مواطنون مقيما في محطة بنزين.

بعد شهر فقط من اليوم الوطني، يمزق وكيل مدرسة أذن طالب، وبعد شهر فقط، تضرب فتيات بجدة متحرشا، وبعد شهر فقط، أطفال ينفرون لجهاد لم يناد به ولي الأمر، وبعد شهر فقط، يتعرض متنزه الملك عبدالله بعد أيام من افتتاحه لرمي مخلفات مريع يضاهي مخلفات الأعاصير، وبعد شهر فقط، تُسرق سيارة وبداخلها طفلة لم يغير وجودها من مشهد السرقة شيئا، وبعد شهر فقط، مواطنون يتباهون بحج من دون تصريح.

بعد شهر من اليوم الوطني، ناقش الرأي العام بأطيافه المتعددة إقرار حق المرأة بالتنقل، كما ناقش الظواهر الاجتماعية أعلاه، وفي كل مرة يسقط قناع التنمية الاجتماعية السعودية وتنكشف الهوة الحضارية في تشخيص واضح على ضعف الاستثمار في وعي وتحضر المجتمع، الذي ما زال يلجأ جزء ليس باليسير من أفراده لوسائل غير حضارية للتعبير عن اختلافهم.

كيف لمجتمع تم توحيد أرضه وبناء مواطنته على أساس التآخي أن يقوم بعض أفراده بالتخوين والقذف والتشنيع بأخته وأخيه المواطنين لمجرد الاختلاف بالرأي؟! وكيف لذات المجتمع الذي يزعم التحضر أن يستعدي بعض أفراده، على اختلاف مواقعهم، السُلطة ويزايدون على مواطنة الآخر بعقلية غزو لم تتغير منذ أولى محاولات توطين القبائل في الهجر في عهد المؤسس -يرحمه الله؟! وكيف لذات المجتمع ووسائل إعلامه أن ينتقل من دعوات الوحدة الوطنية والتفاخر بها كواقع بيوم الوطن قبل شهر فقط من الآن للرمي بكل قيم الحوار الوطني عرض الحائط واختزالها بأصحاب الصوت الأعلى وإن كان نشازا؟!

يبدو أن الخطط التنموية الاجتماعية قد فشلت ونحن بحاجة جادة للتوقف وإعادة النظر في الأولويات التنموية، فناطحات السحاب والمصانع والأسواق والمؤسسات التعليمية والطرق والمطارات ووسائل الاتصال وغيرها من البنى التحتية الصلبة تعد هدرا للمال العام إذا كان معظم مستخدميها عالقون بحقبة زمنية متأخرة عنها، وجل استخدامهم لها يصب في تقويض مفهوم المواطنة الحضارية بتعزيز العنصرية الحزبية والتيارية.

لا شك بأن التعليمين العام والعالي قد فشلا بدورهما في التنمية الاجتماعية، ويعد إصلاحهما أولوية؛ ومع ذلك فإن هذا بحاجة لعقود لاقتلاع تجذرات غير حضارية لطالما سيطرت على التعليم ووجهت دفته، والشواهد عديدة على سوء مخرجاته وعجزه عن إنتاج أفراد متحضرين اجتماعيا كالأمثلة أعلاه.

ولا شك بأن مراكز التنمية الأسرية ولجان التنمية الاجتماعية لا يمكنها مواكبة متطلبات التحضر الاجتماعي، فعجزت عن تطوير النواة الأساسية، الأسرة، واكتفت بحل المشكلات مؤقتا متى ما تسنى لها ذلك.

ولا شك بأن الأنظمة الحالية عاجزة عن تهذيب السلوكيات غير المتحضرة، وعاجزة عن تقليص الهوة الحضارية قانونيا، وهي بحاجة لمراجعة وإعادة هيكلة وتفعيل علها تسرع بنقل مجتمعنا للتعايش الحضاري الذي ينعم به جيران لنا نتشارك معهم تاريخيا بنقطة البداية القبائلية.

نحن بحاجة لإيقاف المشاريع التنموية غير الاجتماعية موقتا، وتوجيه الموارد لمشروع تنموي اجتماعي حضاري، فالاختلافات المجتمعية أصبحت خلافات، والحوارات أصبحت غزوات بشكل ممنهج وبتنظيمات تدل على تخلف حضاري بات يهدد الوحدة والأمن الوطني.

ومع ذلك، فإننا لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الصراعات غير المتحضرة بانتظار صاحب الصوت الأعلى ليطغى، ولا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الصراعات غير المتحضرة لحين إصلاح التعليم والشؤون الاجتماعية والأنظمة وأجهزتها. الحل هو أن نقوم بتأطيرها حضاريا بإقرار نظام المؤسسات والجمعيات الأهلية، ونضمن قنوات تقطع الطريق على من يزايد بوطنيته انتقائيا، ونضمن قنوات يصل منها الصوت الخافت قبل العالي. قنوات نضمن من خلالها حفظ حقوق أفراد المجتمع وحمايتها لتحقيق الهدف الأكبر للمؤسس -يرحمه الله- بتوطين يقود لتقدم حضاري اجتماعي ننافس به الأمم.

* نقلاً عن صحيفة "الوطن" السعودية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة

تم اختيار مواضيع "العربية" الأكثر قراءة بناءً على إجمالي عدد المشاهدات اليومية. اقرأ المواضيع الأكثر شعبية كل يوم من هنا.