واشنطن وأفغانستان.. مسؤولون لا يرون فائدة من البقاء

البنتاغون: الهدف المشترك مع باقي الحلفاء في الناتو هو منع التنظيمات المتطرفة العنيفة من استعمال أفغانستان لتهديدنا

نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

قبل أيام، تأمّل الرئيس الأميركي، جو بايدن، سؤالا حول أفغانستان للحظات ثم قال: "لا أتخيّل سنكون هناك العام المقبل"؛ فالأميركيون يدرسون بلا شك الانسحاب وهم فقط مترددون بشأن موعد الأول من شهر مايو المقبل.

وبحسب مصادر للعربية/الحدث الحقيقة الأهم هي أن الأميركيين لا يرون أي مستقبل للبقاء في أفغانستان ولا فائدة منه، بل انتقلوا من خلال العمل الدبلوماسي لاحتواء الفوضى المقبلة لا محالة.

مادة اعلانية

فقد صرفت وزارة الدفاع الأميركية منذ 11 سبتمبر 2001 ما يصل إلى 825 مليار دولار على العمليات العسكرية في أفغانستان، ومنها 83 مليار دولار أميركي على القوات المسلحة الأفغانية، وأوضح الميجور روبرت لودويك المتحدث باسم البنتاغون أن هذه الأرقام لا تشمل المصاريف الشخصية للعسكريين أو مصاريف الدفع بالتعاون مع وكالات أميركية أخرى.

وعلى رغم من المصاريف العالية وخسارة المئات من الجنود في أفغانستان، يشعر الأميركيون بالفارق الثقافي والجغرافي الضخم بينهم وبين الأفغان.

عالم آخر

وفي السياق، قال أحد المتحدثين "إنه عالم آخر"، معتبراً أن جغرافية البلدين مختلفة، "فالولايات المتحدة أرض شاسعة متصلة بالطرقات السريعة وأفغانستان بلد منعزل".

تتحكّم هذه النظرة بمنطق الأميركيين أكانوا مواطنين عاديين أو منتخبين للكونغرس أو موظفين في وزارة الخارجية أو عسكريين، ولديهم شعور بأن الحضور الأميركي لم يغيّر كثيراً في الأرض البعيدة، بل يقولون: "حاربنا طالبان عشرين عاماً وسيكونون جزءاً من مستقبل أفغانستان".

كما يؤكد الأميركيون أن جماعة طالبان لديها سلّم من القيم يختلف تماماً عن قيم الأميركيين، حتى إنه نقيض القيم الأميركية بما يعني حقوق المرأة وحقوق الإنسان.

واقع مرير

إلى ذلك، أكدت الحوارات التي أجرتها العربية والحدث لإنجاز هذا التقرير، أن الأميركيين قبلوا بـ"الواقع المرير"، ويعتبرون أن عليهم أن يقدّموا تنازلات لتحاشي أي هجمات من قبل طالبان في المستقبل.

كما يلفتون في هذا السياق، إلى أنهم لم يتعرضوا لأية هجمات منذ إبرام اتفاق السلام في شهر فبراير العام 2020.

العودة إلى 10-9-2001

لعل الأسوأ في هذا الواقع المرير الذي وصلت إليه الإدارة الأميركية هو أنها تدرك أن طالبان ما زالت على علاقة بـ"القاعدة" وتتشارك معها في عقيدتها، وتقر بالفشل في إقناع طالبان بقطع هذه العلاقات.

فطالبان ترى أن القاعدة وعلاقتهم بها ورقة بيدهم، ليسوا مضطرين للتخلي عنها، خصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب خفضت عدد القوات من 20 ألف جندي إلى 2500 جندي والإدارة الحالية تستعد للانسحاب "ولا ضرورة لتقديم تنازلات لمن يريد الانسحاب".

عناصر من طالبان (فرانس برس)
عناصر من طالبان (فرانس برس)


"لن تصمد وقتاً طويلاً"

في المقابل، يعتبر تقرير المفتش العام لوزارة الدفاع الأميركية أن القوات الحكومية التي درّبها الأميركيون، لن تتمكّن من الصمود وقتاً طويلاً بعد الانسحاب الأميركي، وهذا سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 11 سبتمبر 2001.

تقييم الأميركيين لمواقف الأطراف من أفغانستان يشي بالكثير من المصاعب في المستقبل. فبتقديرهم، تشبه باكستان في أوجه كثيرة أفغانستان، والحدود بين الدولتين تكاد تكون معدومة، والعلاقات بين مواطني الدولتين علاقات عشائرية لا تقيم وزناً للحدود.

إيران في المقابل، تريد توسيع نفوذها إلى أفغانستان من ضمن خطتها الشاملة خارج الحدود، وفي حين ساهمت طهران في إثارة النقمة على الأميركيين، وتسببت بشنّ هجمات عليهم، تريد أن تعدّ نفسها للمرحلة المقبلة، حيث تتحاشى مضاعفات الفوضى في أفغانستان.

من كابول (أسوشييتد برس)
من كابول (أسوشييتد برس)

السياسة الأميركية المعلنة

رسمياً، الهدف النهائي للأميركيين حرمان التنظيمات الإرهابية من إيجاد أرضية عمل في أفغانستان.

وقال الميجور لودويك في تصريح لـ العربية إن "الهدف المشترك مع باقي الحلفاء في الحلف الأطلسي والشركاء من الأفغان هو منع التنظيمات المتطرفة العنيفة من استعمال أفغانستان لتهديد الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها، فيما نعمل على التوصل إلى نهاية عادلة ودائمة لنزاع لا حلّ عسكريا له".

كما أضاف أن الولايات المتحدة ملتزمة بمسار سلام أفغاني يقوده الأفغان للتوصل إلى حلّ سياسي دائم وشامل.

لكن حقيقة الموقف الأميركي ربما تختلف عن الموقف المعلن، فمن خلال المقابلات التي أجريناها لهذا التقرير، يبدو أن الأميركيين يقدّرون الصعوبات الضخمة في أفغانستان وهم يبحثون عن "حالة احتواء" أكثر من البحث عن الحلّ.

احتواء الفوضى

فالوضع الميداني منقسم تماماً كما كان منقسماً قبل 11 سبتمبر 2001 حيث كانت الحكومة الأفغانية تسيطر على جزء من الأراضي في الشمال، فيما يسيطر تنظيم طالبان على باقي المساحات الواسعة من البلاد ويهدد العاصمة بشكل دائم.

وما تسعى إليه واشنطن هو إدخال الأطراف الإقليميين والدوليين في تحمّل مسؤولية الوضع المتفجّر في أفغانستان مستقبلاً ومنع هذه الانفجارات الداخلية من التحوّل إلى تهديد لأمن الولايات المتحدة.

يشار إلى أنه كان من اللافت إجراء الإدارة الأميركية مؤخرا حواراً مع حكومة طاجيكستان، شاركت فيه حكومة أفغانستان.

وأشار بيان وزارة الخارجية الأميركية في حينه إلى أن الدول الثلاث تبدي حرصها على حماية التقدّم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تمّ تحقيقه خلال العقدين الماضيين".

بكلام آخر، ربما تجد الولايات المتحدة أن الدولة الوحيدة المستعدة للوقوف إلى جانب حكومة أفغانستان ضد طالبان هي طاجيكستان بقدر ما أن باكستان تقف إلى جانب طالبان وبقدر ما تريد إيران إخراج الأميركيين من البلاد.

انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة