نجيب محفوظ رفض إعادة طباعة "أولاد حارتنا" خوفا على أسرته

الغيطاني لـ"العربية.نت": كان يتمنى لو لم يعدم من حاول اغتياله

نشر في:

بدا الروائي المصري جمال الغيطاني متأثرا جدا وهو يكشف لـ"العربية.نت" خلال اتصال هاتفي عن تفاصيل جديدة في حياة الروائي المصري العالمي الراحل نجيب محفوظ، خصوصا فيما يتعلق بمحاولة اغتياله في 1994، وقراره برفض إعادة طباعة روايته المثيرة للجدل "أولاد حارتنا".

وقال الغيطاني إن نجيب محفوظ كان يشعر بألم بالغ إزاء حادث محاولة اغتياله، و"لم يكن حانقا على من أقدم على ذلك". وأكد بأن الروائي الراحل "كان يتمنى ألا يعدم من حاول اغتياله"، الا أنه لا يعرف ما إذا حاول محفوظ ثني السلطات المصرية عن إعدامه أم لا.
وأشار إلى أن الشاب الذي حاول قتل محفوظ، وأعدم بعد ذلك، اعترف بجريمته، وشدد على أنه سيكررها ثانية إذا أتيحت له الفرصة. وأوضح الغيطاني بأن حادثة محاولة اغتيال محفوظ في 1994، غيرت حياته - محفوظ -، وهي نتيجة "لتخلف أوضاعنا، وغياب العقل".
وكشف الغيطاني عن أسباب رفض الروائي المصري الكبير إعادة طباعة روايته الشهيرة "أولاد حارتنا" بعد قرار الأزهر بشأنها، وهو القرار الذي قضى باعادة طباعتها، موضحا بأن محفوظ لم يكن راغبا إلى آخر لحظة في حياته في طباعتها لخشيته من ردود الفعل على أسرته، ملمحا إلى أن خشيته كانت ناتجة من المتطرفين على الأسرة التي لطالما أبقاها بعيدا عن الأضواء.

زيارة أبوالفتوح لمحفوظ

وأكد الغيطاني لـ"العربية.نت" بأن نجيب محفوظ لم يترك وصية بهذا الشأن، على حد علمه، مضيفا بأنه كان قد رتب زيارة للقيادي في جماعة "الإخوان المسلمين" عبدالمنعم أبوالفتوح، لنجيب محفوظ، هوجم بعدها أبوالفتوح بشراسة من قبل منتمين للجماعة على صفحات الانترنت، بلغت حد "اتهامه بالكفر كونه زار محفوظا".
وقال "إن كان هذا موقف منتسبين لجماعة تعتبر من أكثر الجماعات الإسلامية اعتدالا، فما بالك بالذين لا يظهرون في الضوء". وتابع بأن رواية "أولاد حارتنا" موجودة فعلا في الأسواق، ويجري تداولها على نطاق واسع في مصر بطريقة "لا شرعية" بعد أن قام بطباعتها بائع في سور الأزبكية.
وختم الغيطاني بأن أعمال محفوظ الروائية تؤكد الرؤية الإسلامية الإيمانية من منطلق كوني، ويكفي لمعرفة البعد "الصوفي" فيها، قراءة "الشحاذ"، ثم عمل صوفي رفيع هو "أصداء السيرة الذاتية".
وشكلت رواية "أولاد حارتنا" محطة مهمة ومنعطفا في أعمال محفوظ لكثر ما أثير حولها من لغط. وفي تقرير لوكالة "رويترز" للأنباء، تأكيد على أن محفوظ عزف عن الكتابة بعد ثورة يوليو/تموز 1952 بحجة أن العالم الذي كان يسعى بالكتابة إلى تغييره غيرته الثورة بالفعل ولم تعد للكتابة جدوى بعد أن أنهى الثوار مرحلة تاريخية كان يريد لها أن تنتهي.
وحين انحرفت التجربة الثورية كما قال محفوظ في أكثر من مناسبة عن الشعارات التي أعلنتها وظهرت فجوة عميقة بين النظرية وتطبيقاتها كتب محفوظ رواية "أولاد حارتنا" التي عاد بها إلى الكتابة في 1959.
وبعد بدء نشر الرواية مسلسلة في صحيفة الاهرام الحكومية ابتداء من 21 سبتمبر/أيلول حتى 25 ديسمبر/كانون الاول 1959 حث بعض رموز التيار الديني المحافظ على وقف النشر استنادا الى تأويل الرواية تأويلا دينيا يتماس مع قصص بعض الانبياء.
إلا أن ذلك لم يتسبب في وقف النشر ولكنه تسبب في عدم طبعها في كتاب داخل مصر إلى اليوم. وقال الكاتب المصري سليمان فياض إنه كان يعمل آنذاك بوزارة الأوقاف سكرتيرا للجنة كانت تحمل عنوان "الدفاع عن الإسلام" مع الشيخين سيد سابق ومحمد الغزالي وكانا مسؤولين معا عن إدارة المساجد والدعوة والدعاة.
وأضاف فياض أنه في إحدى جلسات تلك اللجنة "قدم الشيخ الغزالي ورقتين معدتين من قبل يستعرض فيهما أولاد حارتنا من زاوية الاتهام وحدها. وفي الورقتين كانت الإدانة لاولاد حارتنا في غيبة من الدفاع والمتهم. ومنذ ذلك الحين وقصة التكفير والاتهام بالالحاد لا تتوقف".

بعد نوبل قامت الدنيا على "أولاد حارتنا"

وصدرت الرواية في بيروت عن دار الأداب ومن هناك تصل الى القارئ المصري الذي لا يجد صعوبة في الحصول عليها. ولاتزال مكتبة مصر الناشر الدائم لاعمال محفوظ تسقط "أولاد حارتنا" من قائمة أعمال الكاتب الى اليوم ولم يعترض محفوظ لأنه لم يكن يريد خوض معركة لاصدار الرواية في مصر.
وظلت الرواية متاحة في مصر لمن يريدها بدون إثارة أزمات إلى أن أعلنت لجنة جائزة نوبل في تقريرها أن الكاتب استحق الجائزة عام 1988 عن 4 أعمال منها "أولاد حارتنا" وكانت تلك الإشارة أشبه بباب جهنم على محفوظ حتى أن الشاب الذي حاول قتله بسكين في أكتوبر/تشرين الاول في 1994 قال "انهم قالوا له إن هذا الرجل - محفوظ - مرتد عن الإسلام".
ومن بين الكتب التي صدرت عن الرواية "كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا" لمحمد جلال كشك و"كلمتي في الرد على نجيب محفوظ" للشيخ عبد الحميد كشك. وفي حماسة الاحتفال بجائزة نوبل أعلنت صحيفة "المساء" الحكومية القاهرية إعادة نشر الرواية مسلسلة وبعد نشرت الحلقة الأولى اعترض محفوظ وبعض الخائفين عليه فتم ايقاف النشر.
وعقب المحاولة الفاشلة لاغتيال محفوظ تحمست صحيفة الأهالي المصرية التي تصدر كل أربعاء عن حزب التجمع اليساري المعارض لنشر الرواية في عدد خاص منها. وصدرت "أولاد حارتنا" كاملة بعد أيام من الحادث في عدد خاص من "الاهالي" يوم الاحد 30 أكتوبر/تشرين الاول 1994 وأعلن أنه نفد بالكامل. وحملت عناوين الصفحة الاولى: "لاول مرة في مصر.. النص الكامل لرائعة نجيب محفوظ.. أولاد حارتنا.. بعد 35 عاما من غيابها عن الشعب المصري".
ومهدت الصحيفة لنص الرواية بمقالات لنقاد وصحفيين بارزين هم محمود أمين العالم وشكري محمد عياد وفريدة النقاش وجابر عصفور ومحمد رضا العدل وسلامة أحمد سلامة والممثل عادل إمام. وزيادة في الحفاوة تمت الاستعانة برسوم مصاحبة للنص للفنانين عبد الغني أبو العينين وجودة خليفة فضلا عن غلاف الطبعة البيروتية.

الشيخ الغزالي يزور محفوظ

وعقب نشر الرواية في الأهالي أصدر كتاب وفنانون بيانا طالبوا فيه بعدم نشر الرواية في مصر بدعوى حماية حقوق المؤلف الذي نجا قبل أيام من الذبح. في حين وصف كتاب أخرون ذلك البيان بأنه "محزن". وبعد محاولة الاغتيال قام الشيخ الغزالي بزيارة محفوظ في مستشفى هيئة الشرطة على شاطيء نهر النيل حيث كان يتلقى العلاج. وكانا يلتقيان لاول مرة.
والشيخ الغزالي بشهادة فياض هو صاحب المذكرة التي صودرت بموجبها "أولاد حارتنا". وروى الكاتب المصري يوسف القعيد الذي حضر اللقاء أن الغزالي علق على اتاحة الرواية في مصر قائلا إن "السموم أيضا تنشر خلسة والناس تقبل عليها" وشدد على أنه ضد الرواية ولكنه أدان محاولة الاغتيال التي "لا يقرها شرع ولا دين". وردا على التمهيد للمحاولة ببعض الكتب التحريضية ومنها كتاب الشيخ كشك قال الغزالي إنه "رجل جاهل" في إشارة إلى كشك.
وتعرض محفوظ لمشكلة أخرى ليس بسبب "أولاد حارتنا" مباشرة ولا بسبب قصة قصيرة كتبها في الستينيات وتحمل عنوان "الجبلاوي" وانما بسبب دعابة. فبعد محاولة اغتياله سألته ممرضة عن حالته الصحية فداعبها قائلا: "يظهر - يبدو أن - الجبلاوي راض علي".
فالتقط محام من مدينة المنصورة (الى الشمال من القاهرة بنحو 150 كيلومترا) هذه الدعابة بعد نشرها في صحيفة الاخبار الحكومية في 7 ديسمبر/كانون الاول في 1994 ورفع في 12 من الشهر نفسه دعوى قضائية ضد محفوظ متهما اياه "بالافتئات على حقوق الله عز وجل وتسميته بالجبلاوي".
وطلب المحامي تعويضا مؤقتا قدره 501 جنيه لما أصابه من ضرر نتيجة الحوار المنسوب إلى محفوظ إلا أن محكمة جنايات المنصورة أصدرت حكمها النهائي في 26 ديسمبر/كانون الاول في 1995 برفض الدعوى. ثم تجدد الجدل حول "أولاد حارتنا" نهاية 2005، حيث أعلنت مؤسسة دار الهلال عن نشر الرواية في سلسلة "رويات الهلال" الشهرية ونشرت الصحف غلافا للرواية التي قالت دار الهلال انها قيد الطبع حتى لو لم يوافق محفوظ بحجة أن الابداع بمرور الوقت يصبح ملكا للشعب لا لصاحبه. وحالت قضية حقوق الملكية الفكرية التي حصلت عليها دار الشروق دون ذلك.
وأعلنت دار الشروق مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية بمقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد. ونشرت مقدمة أبو المجد التي أطلق عليها "شهادة" في بعض الصحف لكن الرواية لم نفسها لم تصدر إلى الآن.