محللون: اقتصاد مصر قد يتباطأ للنصف وتوقع ارتفاع التضخم وعجز الموازنة
خبراء يحذرون من رفع تكاليف الاقتراض للحيلولة دون خروج رؤوس الأموال
قد تؤدي التوترات السياسية التي تشهدها مصر إلى تباطؤ النمو الاقتصادي للبلاد أكثر من النصف هذا العام، كما قد ترفع عجز الموازنة إلى خانة العشرات، وتؤدي لتراجع قيمة العملة وتعزز معدل التضخم المرتفع بالفعل.
وقبل شهر من تفجر المظاهرات الحاشدة المناوئة للرئيس المصري حسني مبارك في 25 يناير/ كانون الثاني، توقع محللون في استطلاع أجرته رويترز نمو الاقتصاد المصري 4.5% في السنة المالية التي تنتهي في يونيو/ حزيران المقبل، في حين كانت الحكومة تتوقع نمواً نسبته 6%.
واستأنفت البنوك العمل، لكن المحلات التجارية ما زالت مغلقة، ويحجم السائحون عن زيارة البلد الذي كان مركزاً لقضاء العطلات، وفي ظل هذا الوضع تبدو تلك التوقعات متفائلة.
هجوم الأقصر
وخفض بعض المحللين بالفعل توقعاتهم للنمو الاقتصادي بمصر، إذ تكبد تلك الاضطرابات اقتصاد البلاد خسائر لا تقل عن 310 ملايين دولار يومياً، بحسب تقديرات للبنك السعودي الفرنسي.
وقال محللون لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش إن عدد السياح الزائرين لمصر انخفض 20 إلى 30% على أساس سنوي بعد هجوم الأقصر في 1997، أو عندما سقط الاقتصاد العالمي في براثن الركود.
وأضافوا "إذا استمر عدم التيقن السياسي لفترة طويلة... فإن انكماشاً مماثلاً قد يخفض النمو الإجمالي بواقع نقطتين إلى ثلاث نقاط مئوية، وهو ما سيؤدي إلى جانب انكماش الاستثمارات إلى وصول الناتج المحلي الإجمالي لنطاق بين 1 و2% على أساس سنوي.
ومن المتوقع أن يؤدي تراجع الاستهلاك الخاص الذي يسهم بنحو 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع الاستثمارات الأجنبية وارتفاع معدل البطالة إلى الإضرار بأداء الاقتصاد.
وقدرت قيمة الاقتصاد المصري عند 217 مليار دولار العام الماضي، وهي نصف قيمة اقتصاد السعودية عملاق النفط، ويعتمد اقتصاد مصر على الاستثمارات الخارجية والسياحة وإيرادات قناة السويس، لكنه يواجه تحديات مثل الفقر وزيادة التضخم وارتفاع البطالة البالغ 10% على الأقل، لكن كثيرين يشيرون إلى أن الرقم الفعلي لنسبة العاطلين عن العمل ربما يكون أعلى بكثير.
ويحذر بعض المحللين من أن البنك المركزي ربما يرفع تكاليف الاقتراض للحيلولة دون خروج رؤوس الأموال، وتبلغ فائدة الإقراض لأجل ليلة واحدة 9.75%.
وتقدر سيتي جروب تدفق رؤوس الأموال خارج البلاد بين 500 مليون ومليار دولار يومياً.
الاحتياطيات النقدية
وقال رينهارد كلوس الاقتصادي لدى يو.بي.أس في لندن تضررت إيرادات السياحة ضرراً بالغاً، ومن المستبعد أن تتعافى سريعاً.. يبدو أن التجارة الخارجية وقطاع التجزئة يعانيان من تعطيلات، ولعل الاحتياطيات النقدية ما زالت عند مستويات متدنية.
وإيرادات السياحة التي تقدر مساهمتها بما بين 5 و11% من الناتج الاقتصادي مصدر حيوي لاقتصاد أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، حيث يعيش نحو 40% من السكان على أقل من دولارين يومياً.
ومع تصاعد وتيرة الاحتجاجات على مدى الأسبوعين الأخيرين، خفضت وكالات التصنيف الائتماني تصنيفها السيادي لمصر درجة واحدة، وأشارت إلى الأضرار المحتملة للمالية العامة التي تعاني من ضعف بالفعل.
وفي ظل غضب شعبي وانتخابات رئاسية في سبتمبر/ أيلول، من المرجح أن تبقي الحكومة على إنفاق عند مستويات مرتفعة. ومن المرجح أن يؤدي تراجع الضرائب وارتفاع الدعم والضغوط من أجل زيادة مساعدة العاطلين عن العمل إلى تقويض الوضع المالي للبلاد.
وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين لدى سيتي جروب في دبي شهدنا بالفعل
ارتفاعاً نسبته 15% في الرواتب، ومن المرجح أن نشهد مزيداً من الإنفاق الحكومي وزيادة التركيز على توزيع الثروة في مصر بأخذ أموال من أثرياء في المجتمع ومنحها للفقراء.
ونتيجة لذلك من المرجح أن يتفاقم عجز الموازنة ليصل إلى نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وفقا لتقديرات بي.إن.بي باريبا، وهو ما يتجاوز الهدف الذي حددته الحكومة للسنة المالية 2010-2011 عند 7.9%.
وعلاوة على ذلك من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الذي يقارب 10% سنوياً على خلفية تيسير السياسة المالية وضعف قيمة الجنيه المصري.
قيمة الجنيه
وقالت دينا أحمد الخبيرة لدى بي.إن.بي باريبا في لندن "تظهر تحليلاتنا أن انكماشاً بنسبة 1% للجنيه المصري مقابل سلة مكونة مناصفة من اليورو والدولار يضيف تقريباً 0.3 و0.4 نقطة مئوية للتضخم الرئيسي.
وأضافت "لهذا فإن الآثار المترتبة على انخفاض الجنيه ستكون كبيرة وينبغي أن يعالجها البنك المركزي إما بالدفاع عن العملة أو رفع أسعار الفائدة".
وتراجع الجنيه 2.4% أمام الدولار منذ اندلاع الاحتجاجات التي أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص حتى الآن.
وقلص الجنيه بعضاً من خسائره أمس الثلاثاء بعد تدخل البنك المركزي وبلغ سعره 5.88 جنيه للدولار بحلول الساعة 11:00 بتوقيت جرينتش يوم الأربعاء.
وقال محللون إن احتياطيات البنك المركزي البالغة نحو 36 مليار دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول منحته قوة كافية لمواجهة الهروب الفوري لرؤوس الأموال، إلا أنه على المدى الطويل قد يؤدي عدم الاستقرار السياسي ومخاطر عمليات السحب من البنوك المحلية إلى تراجع أكبر للجنيه، مما سيمهد الطريق أمام فرض قيود رأسمالية.
ويمتلك البنك المركزي أيضاً أصولاً إضافية لدى البنوك التجارية تقدر قيمتها بين 7 مليارات و21 مليار دولار، وهو ما يعرف بالاحتياطيات غير الرسمية.
وقال جون سفاكياناكيس كبير الاقتصاديين لدى البنك السعودي الفرنسي على المدى القصير نتوقع تراجع الجنيه المصري 20%.
وفي محاولة لكبح جماح التضخم بإمكان البنك المركزي أيضاً أن برفع أسعار الفائدة بشكل كبير قبل اجتماع مقرر في العاشر من مارس/ آذار للحيلولة دون هروب رؤوس الأموال.
وقالت دينا أحمد نعتقد أن البنك المركزي سيرفع أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس في اجتماع طارئ هذا الشهر، إذ من المرجح أن يرتفع معدل التضخم على خلفية تراجع الجنيه.