ارتفاع أسعار المنازل العالمي
عانت معظم اقتصادات العالم تراجعا اقتصاديا بنسب متفاوتة أثناء أزمة كورونا، كما تهاوت أسعار المواد الأولية إلى مستويات متدنية. وعلى النقيض من ذلك شهدت أسعار المساكن لدى عدد كبير من الدول ارتفاعا ملحوظا أثناء الركود الاقتصادي في 2020، وواصلت نموها العام الحالي. وتفيد المؤشرات العالمية لأسعار العقارات السكنية التي يصدرها بعض المؤسسات، ومن ضمنها صندوق النقد الدولي، بارتفاع ملحوظ لأسعار العقارات السكنية في معظم الدول التي غطتها المؤشرات.
يغطي مؤشر صندوق النقد الدولي للمنازل أسعار المساكن في 60 دولة معظمها دول أوروبية، إضافة إلى الولايات المتحدة واليابان والصين والهند وعدد آخر من الدول. يؤكد المؤشر ارتفاع أسعار المنازل في ثلاثة أرباع الدول التي شملها المؤشر في 2020. واستنادا إلى المؤشر، فقد ارتفعت أسعار المنازل بما لا يقل عن 5 في المائة في 23 دولة من الدول الـ 60 خلال العام الماضي. كانت لوكسمبورج وتركيا ونيوزيلندا وكندا أكثر الدول ارتفاعا في أسعار المساكن خلال الفترة. وأكد مؤشر عالمي آخر لأسعار المنازل - وهو مؤشر نايت فرانك - استمرار ارتفاع أسعار المنازل في الربع الأول من العام الحالي. ويفيد تقرير المؤشر بارتفاع أسعار المنازل في 56 دولة التي شملها، بمتوسط سنوي للدول مقداره 7.3 في المائة خلال الربع الأول 2021. وشهدت أسعار المنازل في الولايات المتحدة زيادة سنوية نسبتها 13.2 في المائة للفترة، بينما كانت تركيا أكثر الدول ارتفاعا في أسعار العقارات خلال الربع الأول 2021، حيث وصلت نسبة الزيادة السنوية فيها إلى 32 في المائة. ويعتقد أن هبوط سعر الليرة كان السبب الرئيس في ارتفاع أسعار المنازل فيها. تلت تركيا في تضخم أسعار المنازل نيوزيلندا التي وصلت فيها الزيادة السنوية إلى 22 في المائة خلال الربع الأول 2021، ويبدو أن القطاع السكني هناك يعاني شح المنازل في الفترات السابقة. أما في المملكة، فقد ارتفعت أسعار المساكن بنسبة 2.2 في المائة خلال 2020 مقارنة بمتوسط 2019. أما أحدث تقرير عقاري سعودي للربع الثاني من 2021، فيشير إلى ارتفاع أسعار المساكن بنسبة 0.8 في المائة مقارنة بالربع المماثل من 2020. وتقل معدلات ارتفاع المساكن في المملكة عن متوسطات الارتفاعات العالمية، لكن من الممكن ارتفاعها لاحقا.
يرى عديد من المختصين أن تراجع معدلات الفائدة وتوقع بقائها عند مستويات منخفضة لفترة طويلة وفر سيولة رخيصة في الأسواق أسهمت بشكل فعال في زيادة الطلب على المنازل ورفع الأسعار. كما ساعد الدعم والتحفيز الحكومي لتجاوز الجائحة على توفير بعض الموارد الإضافية خلالها التي يسرت استمرار الطلب، كما ساعد خفض الإنفاق على بعض البنود الاستهلاكية؛ كالمطاعم والسياحة والسفر، على توفير موارد إضافية ساعدت على شراء منازل بديلة. من جهة أخرى، من المحتمل أن فترات الإغلاق والبقاء في المنازل منحت متسعا من الوقت لاتخاذ قرارات شراء المنازل والبحث عنها ولو عن بعد.
سرعت الجائحة عجلة التغيرات الهيكلية في أسواق العمل والتعليم والإنتاج والسكن العالمية، حيث رفعت أهمية ونسب العمل والتعليم في المنازل. وحفز ذلك رغبات ملاك المنازل في تهيئة بيئة عمل وتعلم داخل المنازل، وربما دفع البعض إلى البحث عن منازل تلبي متطلبات العمل والتعليم عن بعد بشكل أفضل. من جانب آخر، أدت فترات الحجر الصحي وتقييد الحركة الخارجية، وخصوصا للأسر والأطفال، إلى إعادة نظر بعض الأسر في نوعية المساكن ومساحاتها وملاءمتها للعمل والتعليم عن بعد، ما قد يكون دفع للبحث عن مساكن أكثر مواكبة للتغيرات. أما في جانب عرض المنازل، فقد رفع توقف سلاسل الإنتاج والعمل أثناء الجائحة تكاليف إنشاء المساكن، وخفض عدد المنازل الجديدة ورفع أسعارها. من جهة أخرى، تسببت الجائحة في بعض التغيرات الهيكيلية على قطاع السكن؛ ارتفعت بموجبها محفزات المنازل المستقلة والإقامة في الضواحي، وتراجع الطلب على المناطق المكتظة والبنيات متعددة المساكن والأدوار.
يبدي صناع القرار اهتماما بتصاعد أسعار المنازل، حيث تولد زيادات الأسعار بنسب تفوق تحسن الأجور مصاعب إضافية لتملك واستئجار المنازل؛ ما يخفض رفاهية الأسر محدودة الدخل. ومن المتوقع أن يقود تصاعد أسعار المنازل، إلى تراجع عدالة توزيع الدخول والثروة في المجتمعات المتأثرة، حيث يستحوذ مرتفعو الدخل عادة على حصص أكبر من المنازل مقارنة بالأسر متدنية ومتوسطة الدخل. إضافة إلى ذلك، سيسعى مرتفعو الدخل إلى طلب منازل أكبر مساحة؛ ما سيفاقم من زيادة أسعار المنازل.
يتسبب تضخم أسعار المنازل والإيجارات في زيادة الضغوط التضخمية عبر الاقتصاد؛ ما قد يسيء كثيرا إلى عدالة توزيع الثروة والدخل ويرفع معدلات الفقر. كما يتخوف صناع السياسات من أن يقود تصاعد الأسعار على نطاق واسع، إلى تكون فقاعات عقارية تنفجر في أوقات لاحقة وتحدث تأثيرات سلبية في الاقتصاد العالمي. وتسببت أزمة الرهون العقارية في 2008 في إحداث الأزمة المالية العالمية. ويعتقد مختصون أن الإصلاحات المالية بعد الأزمة المالية العالمية تحد من إمكانية حدوث أزمة مالية عالمية ناتجة عن العقارات، لكن لا ينبغي استبعاد حدوث ذلك بالكلية ولو بشكل جزئي.
* نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية".