أخطر 3 مؤامرات سيطرت على عقول العرب
نشاهد على الشاشات معلقين ومحللين يحذّرون من أخطار المؤامرات التي تحاك ضدنا. ولكنك تتفهم هلعهم من الأعداء المتخيلين إذا أدركت أنهم ينتمون لجيل النكسة. تعرضوا لصدمة نفسية عنيفة بعد حرب الأيام الستة عام 67، ومن حينها باتوا يرون الخديعة والمؤامرة في كل مكان. من الصعب أن تتغير قناعاتهم العزيزة عليهم بعد هذا العمر، ولكن من المهم أن نسلط الضوء على أفكار التآمر والخيانة والخديعة المتفشية حتى نمنع انتقالها من جيل الأجداد للأحفاد.
هناك في تقديري 3 مؤامرات تسيطر على أذهاننا. ولكن قبل أن نعددها علينا أن نفهم السحر والجاذبية في فكر المؤامرة. إنها آلية نفسية مريحة لأنها تخلي النفس- أو الشعوب- من المسؤولية بشكل كامل وتلقي بها على الآخرين. سبب الهزيمة المذلة ليس الجيوش المتهالكة ولكن الخونة في الداخل والأعداء الخبثاء في الخارج. هي أيضا تحقق ما يسمى بمفهوم "كبش الفداء". كل عيوبي وعثراتي أضعها على آخر وأقوم بعد ذلك بإعدامه وإعدامها معه وأتطهر نفسيا بعدها. وهي أيضا طريقة مناسبة للهروب من الواقع ومواجهة الحقيقة. ولهذا تروى بحس استخباراتي وروح قصصية بوليسية لا تتناسب مع الواقع البارد المفتقد لحرارة الدراما وحبكات الأكشن. كل هذه مغريات تقدمها المؤامرة لمن يُؤْمِن بها. تعزله وتدخله في عالم سحري خرافي وتنصبه على عرش المنتصر.
لماذا يريد بعدها العودة لواقع جامد لا يعرف المجاملة هو فيه الذليل المهزوم؟ بالطبع سيفضل تدخين حشيش المؤامرة على أن يستيقظ ويستعيد الوعي ويكتشف الحقيقة المرة.
لهذه الأسباب وغيرها شاعت أفكار المؤامرة على نحو واسع. وهذه أبرزها:
المؤامرة السياسية: هذه المؤامرة تقول باختصار إن الدول الغربية وأهمها الولايات المتحدة الأميركية تنوي تمزيقنا واستغلال ثرواتنا وإخضاعنا لسلطتها في نهاية المطاف. وبسبب هذا التفكير انتشرت مصطلحات مثل الاستعمار الجديد والتبعية والخنوع ومؤخراً التأمرك والتصهين إلى آخر هذه التوصيفات. ولكن قليل من التأمل في الواقع والتاريخ يكشف لنا أنها أكذوبة تلعب على غرائز الكرامة والأنفة وشيطنة الآخرين. الشعوب العربية لم تتعرض للتمزق والانهيار ولم تنهب ثرواتها بسبب الغرب بل بسبب حكام مستبدين مثل صدام والقذافي والأسد. والحكومات التي تخلصت من هذا الوهم هي الأكثر نجاحا ليس فقط في السعودية والإمارات بل في كوريا واليابان وسنغافورة وتشيلي. كل هذه الدول وطدت علاقتها مع الغرب سياسياً واقتصادياً وازدهرت. تنطلق هذه النظرة من رؤية قديمة للاستعمار الأوروبي ولكنها مرحلة تاريخية انقضت ولا يمكن أن تعود. العالم تغير وتبدل والنظام الدولي استقر على قوانين ثابتة لا يمكن خرقها. المشهد ذاته يتكرر بلا توقف. إيران وحزب الله والإخوان هم أكثر من يبثون فكر المؤامرة السياسية ويروجون لفكرة الحرب القادمة مع الغرب "الكافر" ونعرف كل الدمار الذي تسببوا به. المؤامرة السياسية لم تصبح فقط وسيلة للهروب من معالجة الأسباب الحقيقية للفشل ولكنها تحولت لشعار عاطفي ترتكب تحته أكبر المآسي. الإيرانيون يقتلون الأطفال السوريين ويرددون بعدها شعار الموت لأميركا وإسرائيل!
المؤامرة الدينية: تختصر هذه المؤامرة المقولة الرائجة بأن هناك حرباً على الإسلام والمسلمين. ولكن إذا تأملنا الواقع قليلاً فإننا نرى أن المسلمين يزدهرون وينجحون في الدول الغربية أكثر في أحيان كثيرة من دولهم الأصلية. إذا كانوا محارَبين فعلياً لماذا إذن يسمح لهم بالعيش هناك؟ ولماذا تمنح لهم الفرصة للنجاح؟ من قام بتشويه صورة الإسلام ليس الغربيون ولكن الزرقاوي والبغدادي وقادة التنظيمات الإرهابية. وفي الوقت الذي تختار لندن عمدة مسلما، يقوم الإرهابيون بتفجير الأسواق والقطارات والمطارات وقتل الأبرياء. وهناك من المتطرفين من يقول إن مؤامرة الغرب أخبث من هذا وهي تهدف إلى تذويب الإسلام و"أمركته" بنشر تعاليم مثل التسامح والتعايش بين الطوائف. ولكن هذه أفكار ليست غربية، والمسلمون شهدوا فترات طويلة من تاريخهم متسامحين مزدهرين قبل أن يسود منطق المتطرفين ويعلّم الأطفال كيف يكرهون المختلفين معهم في الدين والمذهب. أفكار التسامح والتعايش لا علاقة لها بالتآمر بل هي آليات مهمة لتخفيف الاحتقان والبغضاء داخل المجتمعات. وبدل أن تتطاحن الطوائف وتتمزق المجتمعات يتم توجيهها نحو أهداف وطنية وإنسانية أسمى. المتآمر من يمنعها وليس من يدعو لها. من الصعب علينا أن نقول إن الحرب الطائفية بين المسلمين في بلدان عدة حدثت لأن شياطين غربية وسوست في عقولهم. ويجب أن لا ننسى أننا نتقاتل ونتدهور و قبل أن نعرف الغرب بالشكل الحديث، ولن يختفي داعش وحزب الله، لو تلاشت غدا أميركا. المؤامرة الدينية مجرد خديعة صممها المتشددون لطرد الأفكار الإنسانية من التأثير على ثقافتنا وعقلنتها. حتى تلك المثل القيمة من تراثنا وتاريخنا الإسلامي والعربي يتم الاشتباه بها من أجل حماية العقلية المنغلقة حتى يصد أي سؤال وشك يتسبب بهزها ومن ثم انهيارها.
المؤامرة الاجتماعية: تزعم هذه المؤامرة أن هناك خططاً لتغيير قيم المجتمعات تهدف لطمس هويتها وقيّمها. منبع هذه الفكرة هي العزلة القديمة للشعوب حيث يصبح الغريب الآخر الذي سيجلب معه الشرور والأمراض. ولكن هذه فكرة انهار منطقها مع تلاشي الحدود التي تخترقها الطائرات والاتصالات. اكتشفنا أن لا أحد يتربص بنا ويصحو من النوم لتقويض مجتمعاتنا. بل بتنا نرسل أبناءنا للدراسة في الخارج. فكرة الهوية لم تعد جامدة بل متطورة ومتغيرة باستمرار. الهوية الصحية هي المتجددة والمنفتحة على لغات وثقافات مختلفة عكس الهوية الثابتة التي تعيش في الماضي لكن الماضي لا يعود. باتت تسكن الأفراد هويات متعددة وحتى جنسيات مختلفة بدون أي تناقض. التآمر على المجتمع يحدث بعزله وتقييده وليس العكس. المحذرون يقولون إن المرأة هي هدف المؤامرة الاجتماعية التي تهدف إلى خلعها من قيمها. ولكن التجربة أثبتت أن هذا مجرد وهم، ومزيد من الحقوق للمرأة مفيد ليس لها ولكن للمجتمع الذي تساعد في نهضته وهي تشعر بالاحترام الكامل والمهارات الضرورية.
كل ما مضى هي أفكار بديهية للبعض ولكنها مع ذلك تستمر وتنتقل من جيل لآخر. ومن المهم أن تُنتقد وتُكشف عيوبها حتى تحاصر عند فئة قليلة. فكر المؤامرة لن يموت وموجود في كل المجتمعات حتى المتطورة منها، ولكنه محصور بقطاعات محدودة من المرتابين والمهووسين، ولا يجب أن يكون بين المعلمين والدعاة والصحافيين وأساتذة الجامعات ومحللو الأخبار ومقدمو النشرات.