لماذا يلجأ المتظاهرون في أمريكا إلى العنف؟

خليل علي حيدر
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

ماذا وراء حجم العنف المتصاعد الذي نشاهده عبر الفضائيات الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي في مختلف المدن الأمريكية؟ على خلفية الاحتجاجات الشعبية على مقتل الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد، الجميع مصدوم مما يجري من أعمال التكسير والنهب التي تجتاح المدن في مختلف الولايات.
المجتمع الأمريكي من المجتمعات المستقرة إلى حد ما، أو هكذا ينظر له في الشرق الأوسط، من خلال الصورة النمطية المكونة في ذهنية المواطن العربي على أنه مجتمع متحضر، حاله حال الشعوب الأوروبية، ولا يمكن أن تصدر منه أعمال عنف ونهب وسلب، خلال المظاهرات التي تخرج للشارع كما حصل في بعض الدول العربية التي شهدت احتجاجات في عام 2011 في ما عرف بالربيع العربي.
لكن هذه الصورة ليست واقعية، وحدثت أعمال سلب ونهب وإطلاق نار ودهس وتكسير وحرق، وربما بعض هذه الأعمال لم تحدث في بعض بلدان ما كان يعرف بالربيع العربي، وبالتالي الحالة التي يمر به الشارع الأمريكي حاليًا ليس لها علاقة بتحضر شعب من عدمه، وما يحدث في دولة نامية قد يحدث في دولة متحضرة، وهذا يعود لأسباب نفسيه يعيشيها الفرد عندما ينصهر في الجماعة، وخاصة فئة الشباب الذين قد يتولد لديهم العنف أو العدوانية ضد الآخرين للهروب من الكبت الذي يعيشونه في حالة الشعور بالعجز أو التهديد أو التهميش الاجتماعي. إلى جانب ذلك، تعتبر ظاهرة العنف والجرائم في الشارع الأمريكي متجذرة في المجتمع الأمريكي، وليست وليدة اللحظة، وهي لها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الذي تعاني منه بعض الفئات المجتمعية.
هنا نقف لمعرفة خلفيات المحتجين النفسية، وهي تعود لمجموعة من الأسباب، وأولاً لابد أن نؤمن بالقاعدة الفيزيائية المعروفة، وهي أن الضغط يولد الانفجار، أو في الدراسات النفسية أن الكبت يولد الانفجار الذي يعود لظروف خاصة تعيشها فئة معينة تعاني من التنمر أو الشعور بالتمييز أو المساواة في الحصول على حقوق معينة، إضافة إلى أسباب ثقافية، وتكون هذه الفئة قابلة للانفجار في وقت مهيأ.
وعندما تنفجر هذه الجماعة، قد نرى ما لا يتوقعه عقل الإنسان من تصرفات وسلوكيات خلاف قناعاته، وهذا ما يؤمن به عالم علم النفس الشهير فرويد الذي يقول أن الفرد يختلف بتصرفاته وأفكاره وميوله عندما يعيش حياته الطبيعية، لكن مجرد أن ينضم إلى مجموعة من البشر تمارس أي فعل، يتحول هذا الإنسان إلى إنسان تابع لهذه المجموعة، ويقوم بالأعمال التي تقوم بها، حتى وإن كانت هذه الأعمال تختلف عن قناعاته وأفكاره، لأنه أصبح يعيش حالة ألا شعور، والمتحكم في أفعاله وتصرفاته هي العاطفة المشتركة بينه وبين الجماهير، وهذا ما يأكده أيضًا الكاتب الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه الشهير «سيكولوجيا الجماهير» الذي يقول عندما يغيب عقل الفرد عند انضمامه لجماعة، تصدر منه سلوكيات غير متوقعة.
ولا ننسى التأثير الكبير الذي تركته السينما الأمريكية على الشباب الأمريكي في سلوكهم وتكوينهم، من خلال الأفلام التي تتناول أعمال العنف والجرائم، وهذا ما أكدته إحدى الدراسات التي توصلت إلى أن الجرائم التي تتناولها السينما الأمريكية تترك أثرًا كبيرًا في السلوك الكامن في نفسية الطفل والشاب ويحاول محاكاتها إذا تهيأت له البيئة مما يشكل خطرًا على المجتمع.
وفي قراءة أخرى أيضًا لأسباب هذه الأعمال التي يشهدها الشارع الأمريكي، ربما يتساءل البعض.. أين القانون والجهات التنفيذية كالشرطة والأمن والاستقرار؟ لماذا غاب كل هذا بشكل مفاجئ؟ بدون شك أن الإنسان بتكوينه يميل للعنف أكثر في تصرفاته وسلوكياته ضد الآخرين، أو مع المحيط التي يعيش فيه، لكن الذي يمنعه من القيام بأعمال عنف في حياته اليومية، إما خوفًا من القانون أو الوازع الديني، لذلك عندما يغيب القانون لأي سبب من الأسباب، تجد الناس تنحو للعنف والسلب وتحطيم الممتلكات وتسرق المحالّ وربما تقتل أفراد الشرطة والعكس صحيح أيضًا بالنسبة أفراد الشرطة.
وفي هذا السياق، أجرى أحد علماء علم النفس دراسة ويدعى فليب زيمباردو في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية اختبارًا، بالتعاون سلاح البحرية الأمريكية، على 24 متطوعًا، تم اختيارهم بعناية فائقة من حيث الاستقرار النفسي والبدني، وتم تقسيم المجموعة على مسجونين وسجانين بدون معرفة بعضهم البعض ووضعوهم في سرداب تم تهيئته في الجامعة، وأعطوا السجانين سلطة مطلقة للتعامل مع المسجونين، وأفاد الباحث فليب أن السجانين أظهروا أسوأ ما عندهم من قسوة في التعامل والتعذيب على المسجونين، بعد ما رفع عنهم الغطاء القانوني وهذا يعبر عن طبيعية الإنسان عندما يشعر بالأمان من أي محاسبة قانونية.

* نقلا عن "الأيام"

مادة اعلانية
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط