حرب المعلومات «المكتومة»
بعد صمت نحو الشهر، اختارت إسرائيل يوم الخميس الماضى الذى وافق يوم وقفة عرفات، للكشف عن هوية القيادى الحمساوى الفار إليها يوم 28 يونيو الماضى. لتعلن على لسان متحدث الحكومة الإسرائيلية أنه «عز الدين حسين» المتخصّص فى صواريخ أرض جو المحمولة كتفاً فى حماس.
مبررات فرار عز الدين، كما جاء فى الإعلان الإسرائيلى، هى تعرّضه للاضطهاد من قادة حماس، ومعاناته من التضييق عليه منهم وتعرضه لعملية تشويه لسمعته! وبالطبع لم ينسَ المتحدث الإسرائيلى أن يؤكد أن هذا الموقف يمثل صفعة إسرائيلية لحماس فى غزة، وأنهم حصلوا على معلومات ثمينة عسكرياً ومخابراتياً من عز الدين عن حماس ومخططاتها!
حماس بدورها التزمت الصمت فى البداية، ثم أكدت الواقعة مع التهوين من قيمة الهارب إلى إسرائيل، ثم أعلنت منذ أيام القبض على 16 فلسطينياً ينتمون إليها بدعوى التعامل مع إسرائيل!
الواقع يؤكد أن حال عز الدين حسين ليس حالة منفردة أو استثنائية فى القطاع المنكوب، بل هو حالة الكثيرين ممن يعانون الحكم الإخوانى فى غزة، فى ظل سيطرة حماس الذراع العسكرية للإخوان، فـ«عز» لم يكن الحالة الأولى التى يعلن عنها بهذا الشكل، فقد سبقه نجلا القيادى حسن يوسف، أحد مؤسسى حركة حماس فى سبعينات القرن الماضى، والذى قضى نحو 20 عاماً فى سجون الاحتلال الإسرائيلى.
ففى عام 2010، كانت الدهشة مع خبر بثته وكالات الأنباء العالمية عن صدور كتاب صدر بالإنجليزية، ثم تُرجم للغات عدة، محدثاً ضجة، عنوانه «ابن حماس»، ومؤلفه كان «مصعب» الابن الأكبر للقيادى حسن يوسف، الذى كان لجأ سياسياً للولايات المتحدة الأمريكية وعاش فى كاليفورنيا واعتنق المسيحية. وتحدث مصعب فى الكتاب عن الفساد المالى والإدارى فى حركة حماس واستغلال الشباب تحت شعارات لا علاقة لها بالواقع. «مصعب» لم يكتفِ بذلك، بل أعلن أنه عمل كجاسوس لإسرائيل فى قطاع غزة! وهو ما تسبّب فى ضجة وقتها، فلم تكن حماس وقتها إلا رمزاً لمقاومة إسرائيل فى عيون غالبيتنا. وقتها أصدر والده بياناً من محبسه أعلن فيه تبرؤه من مصعب، الذى واصل الترويج لكتابه، محولاً إياه إلى فيلم وثائقى بعنوان «الأمير الأخضر» إنتاج إسرائيلى ألمانى بريطانى مشترك عام 2014.
ثم كان فرار صهيب الابن الثانى لحسن يوسف فى عام 2019، حين بثت القناة 12 الإسرائيلية لقاءً معه ذكر فيه نفس العبارات التى كانت قد وردت فى كتاب أخيه منذ سنوات. فتحدث صهيب عن ملفات وقضايا الفساد داخل حماس، وحالة الترف التى تغلف حياة قياداتها ومظاهرها الواضحة للجميع، بينما غالبية سكان قطاع غزة يحيون فى فقر مدقع نتيجة الحصار على القطاع وتأخير صرف رواتبهم بالشهور! وقتها التزمت «حماس» الصمت، بينما أعلن أحد أشقاء صهيب أن أخاه مريض نفسياً!
عز الدين وصهيب ومصعب حالات امتلكت الجرأة فى تحويل مسار حياتهم من السرية التى تفرضها الحركة على علاقاتها بإسرائيل، إلى العلنية فى علاقات معلنة بالفرار إلى إسرائيل، وهو ما يشعرك بحجم الكارثة، حينما يفقد أبناء فلسطين البوصلة فيكونون كالمستجير من نار الخيانة برماد الاحتلال.
فى عام 2014 التقيت فى بروكسل -أثناء زيارة رسمية بالتنسيق مع الخارجية المصرية- بسلامة عطا الله، أحد شباب غزة الذين فروا إلى بلجيكا للابتعاد عن حماس وسيطرتها على القطاع. حدثنى عن الكثير من الشباب المنتظر لفرصة الخروج من غزة التى يسيطر عليها الإخوان بالسلاح. ومنحنى موافقته على نشر روايته «الشعار الرجيم» مع دار نهضة مصر، وقد صدرت فى العام ذاته. وهى تستند إلى سيرته الذاتية، فيرصد حكايات تجار الدين وتناقض أفعال المشايخ مع أقوالهم، ومنعهم التفكير والنقاش والفهم الذى يسعى له شباب غزة خوفاً من الخروج عليهم. يحكى سلامة عن الصراع بين المعلن والمخفى وانقسام الأسرة الواحدة بين فتح وحماس واقتتالهما. وكيف أن فراره إلى بلجيكا جاء بعد أن طُلب منه قتل فلسطينى ينتمى إلى فتح! ليؤكد فى روايته كيف صغرت قضية فلسطين وانحصرت فى كوفية وبعض العبارات فى المظاهرات والندوات، وكيف بيعت فلسطين على يد من ادّعوا التدين.
لتدرك كيف يعيش أبناء حماس لعنة الشعار الرجيم.
*نقلاً عن صحيفة "الوطن"