انتخابات واستطلاعات وتوقعات
منذ زمن بعيد وانتخابات الرئاسة الأميركية تحظى بمتابعة مكثفة بحكم مكانة أميركا العالمية وقدراتها في كافة المجالات ومنها المجال الإعلامي، هذه الانتخابات هي قضية كل الفصول، حمّى سياسية وإعلامية لا تتوقف، ما إن تنتهي الانتخابات ويتحدد الرئيس حتى يبدأ التخطيط للحملة القادمة.
هو مشهد سياسي وإعلامي يصعب تجاهله للمتابع المحايد أو غير المحايد، لمن يهتم بالسياسة أو هي آخر اهتماماته.
في حملة الانتخابات تكثر الاستطلاعات والتوقعات، وتأتي النتائج أحيانا عكس تلك الاستطلاعات والتوقعات، وأحيانا تحدث أخطاء في الاستطلاعات تقود إلى نتيجة خاطئة، ومن ذلك أن تكون العينة غير ممثلة لتنوع المجتمع.
أحد الأمثلة على أخطاء الاستطلاعات ما يورده الدكتور عادل مصطفى في كتابه بعنوان: (المغالطات المنطقية)، وهو كما يرويه (قامت مجلة ليتريسي دايجست) بعمل استطلاع قبيل الانتخابات الأميركية في العام 1936 لمحاولة التنبؤ بمن سيفوز بالرئاسة، فرنكلين روزفلت أم ألفرد لاندون، حيث تم جمع مليوني وثلاث مئة ألف رأي كانت نتيجتها تشير إلى فوز لاندون بأغلبية كبيرة، وقد جاءت نتيجة الانتخابات الفعلية مخيبة لهذا الاستطلاع إذ فاز روزفلت بأغلبية 60 %، فأين كان يكمن الخطأ؟ كانت المجلة ترسل بطاقات الاستطلاع إلى أسماء اختارتها عشوائيا من واقع دليل التليفونات ومن قوائم المشتركين في المجلة نفسها ومن قوائم مالكي السيارات، المشكلة أن مالكي الهواتف والسيارات ومشتركي المجلة كانوا في الأغلب من الطبقة الأعلى دخلا بالولايات المتحدة، ومن ثم فهي لم تمثل الطبقات الأدنى دخلا من المجتمع الأميركي في زمن كان فيه مستوى الدخل ذا صلة قوية بالميول السياسية والحزبية، ومن ثم فعلى الرغم من ضخامة العينة المختارة فإنها كانت عينة متحيزة غير ممثلة للمجتمع الأميركي بجميع شرائحه وطبقاته).
تخيل لو تقرر اختيار الرئيس استنادا إلى الاستطلاع السابق ومن دون انتخابات! كيف ستكون ردود الأفعال؟.
حاليا الأفعال الفوضوية بدأت قبل الانتخابات حيث تعيش أميركا مرحلة انتخابات جديدة وسط ظروف صعبة، منها وباء كورونا، ووباء العنصرية، هذه الظروف أدت إلى انقسام حاد في المجتمع الأمريكي، وإلى مواقف يندر حدوثها مثل التشكيك في نزاهة الانتخابات قبل بدئها، ما ينذر بمزيد من الانقسام مهما كانت نتائج الانتخابات. وهذا وضع جديد على الديموقراطية الأميركية، ويؤثر بلا شك على المشهد السياسي الدولي بحكم قوة أميركا ومكانتها القيادية على مستوى العالم.
حالة الفوضى الحالية في بعض المدن الأميركية التي استغلها البعض لأهداف حزبية وانتخابية، أو أهداف شخصية مثل السرقات، قد تستمر بعد الانتخابات لبعض الوقت، ولكن أميركا دولة مؤسسات وتملك من القوة الدستورية والأمنية ما يجعلها قادرة في نهاية المطاف على وضع حد لهذه الحالة النادرة لأن الأمن خط أحمر لكل المجتمعات الإنسانية.
التوقعات مساحة مفتوحة للجميع بلا حدود، منها ما يستند على الاستطلاعات، ومنها ما يعتمد على الحدس، وبعضها يعبر عن الأمنيات، وإذا كان الشارع الأميركي يتأثر بالحملات الانتخابية والمناظرات وما يقال فيها، فإن سياسات الدول وعلاقتها بأميركا تعتمد على الأفعال وليس الأقوال.
نقلاً عن "الرياض"