حسن البنا.. نبي العنف (٢)
إذا كان يمكن تلخيص الدور التاريخى الذى لعبه حسن البنا فى إطلاق دوامة العنف باسم الدين، يمكن القول إنه الرجل الذى وضع البنزين بجوار النار ثم مضى، لقد ظهر الرجل فى وقت كان فيه المصريون التقليديون يشعرون بالأزمة والعجز إزاء الاستعمار فأقنعهم ببساطة تصل إلى حد السذاجة أن بإمكانهم امتلاك العالم، وحكمه، كانت فكرة «إعادة فتح العالم» هى الفكرة السحرية التى باعها «البنا» للبسطاء، وباع معها صورة مثالية غير حقيقية للتاريخ الإسلامى، فعل «البنا» ذلك ومضى، فكان من الطبيعى أن يسعى أتباعه لاغتيال كل من يتخيلون أنه يقف حائلاً بينهم، وبين من يتخيلون أنه يمنعهم من تحقيق هذا الحلم.
زرع حسن البنا أيضاً فى نفوس أتباعه فكرة أن الاستيلاء على الحكم من أساسيات الإسلام الرئيسية، وقال لهم إن الحزبية ليست من الإسلام فى شىء، فكان من الطبيعى أن يسعوا للاستيلاء على الحكم بالقوة، وبالتفجير، وبالاغتيال، وأن يبقى إيمانهم بالحزبية، والديمقراطية، إيماناً كاذباً، مخاتلاً، مهزوزاً، يعلنونه كنوع من التقية، ورغبة فى الوصول إلى الحكم، لقد كان حسن البنا يدفع جماعته منذ اللحظة الأولى فى طريق العنف، كان العنف كامناً فى ثنايا دعوته، وفى جذرها الفكرى، وكانت الحاكمية ووصم المجتمع بالجاهلية هى الخطوة التالية التى كان سيصل إليها حسن البنا لو امتد به العمر، بمعنى أن سيد قطب ليس سوى حسن البنا عام ١٩٦٥، ومحمد عبدالسلام فرج ليس سوى حسن البنا فى منتصف السبعينات، لقد تأثر هؤلاء بفكرته، وبحثوا لها عن جذور فقهية فى الكتب الصفراء، أو أعادوا صياغتها بأسلوب أكثر عمقاً وبلاغة، لكن الفكرة الأساسية هى فكرة حسن البنا.. لقد أسّس «البنا» جماعة الإخوان على فكرة أساسية هى فكرة «الجهاد» وإعادة فتح العالم، أو «أستاذية العالم»، كما سماها، ولو نظرنا فى كتاب «الفريضة الغائبة» لمؤسس تنظيم الجهاد، محمد عبدالسلام فرج، سنجد أنه وضع النقاط فوق الحروف التى رسمها حسن البنا، فالبنا فى أولى رسائله والمسماة برسالة الإصلاح يشرح خروج المسلمين للغزو بعد وفاة الرسول، ويقول إن ذلك لم يكن لسلطان أو جاه، وإن خليفتهم كان كأحدهم يفرض له من المال والعطاء ما لرجل منهم ليس بأفضلهم ولا أدركهم.. إلخ، ويضيف «إذا لم يكن مخرجهم من ديارهم لجاه، أو مال، أو سلطة، أو استبداد، وإنما كان لأداء رسالة خاصة هى رسالة نبيهم التى تركها أمانة بين أيديهم، وأمرهم أن يجاهدوا فى سبيلها، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله».. لقد جاء حسن البنا فى لحظة يشعر فيها المسلمون بالعجز، فباع لهم حلماً رومانسياً، وكاذباً أيضاً، وحدثهم عن لحظات قليلة فى حكم امتد ألفاً وأربعمائة عام، كان تاريخ الخلفاء خلالها لا يخلو من كل النقائص البشرية من قتل وذبح وخطف وتهتك، وغير ذلك..
لقد باع حسن البنا مفهوماً مزيفاً هو مفهوم الجهاد لتغيير العالم، والسعى لحكمه، فجاء سيد قطب وقال إن من يمنع الإخوان من السعى لحكم العالم كافر، وإن المجتمع الذى يرفض الاعتراف للإخوان بالأحقية فى حكمه هو مجتمع جاهلى، وجاء محمد عبدالسلام فرج.. ليتأمل مفهوم الجهاد الذى طرحه حسن البنا (الذى لم يكن يملك موهبة التنظير والتأصيل الفكرى) ويعمّقه.. ويمده بروافد من فتاوى ابن تيمية، ويقول إن الحاكم الذى يمنع الإخوان من السعى لحكم مصر وحكم العالم، هو حاكم كافر، وإن أتباعه كفار.. إلخ.. إنه فقط يملأ الفراغات التى تركها حسن البنا.. لا أكثر.. ولا أقل.
(من كتاب.. حسن البنا نبى العنف)
*نقلاً عن "الوطن"