المعركة الأخيرة لعون و"حزب الله"... لبنان يتهاوى عارياً

إبراهيم حيدر
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

التطورات الإقليمية والدولية تضغط بقوة على الوضع اللبناني، وتنعكس تعقيدات على تشكيل الحكومة. فلبنان اليوم لم يعد أولوية لدى الكثير من الدول العربية والخليجية، وكذلك دول العالم، إلى حد أصبح هذا البلد عارياً من أي حاضنة بفعل الصراعات الداخلية ومراهنات أطراف من الطبقة السياسية الحاكمة على منقذ خارجي لم يعد متوافراً اليوم، حتى لو تعرّض البلد إلى الانهيار، فيما قوى أخرى مسلحة وتمتلك فائض قوة مستمرة في الإمساك بمفاصل القرار وترهن البلد لحسابات إقليمية ودولية. وفي ظل استمرار غياب الاهتمام بلبنان عربياً ودولياً، وتراجع زخمه بعد ثلاثة أشهر على انفجار مرفأ بيروت المروّع، أصبح واضحاً أن لبنان مقبل على مزيد من الانهيارات.

التعقيدات الماثلة أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، لا تقتصر فقط على الخلاف حول الحقائب والمحاصصة، بل أيضاً تكمن في تقديم رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون نفسه طرفاً مفاوضاً حول تركيبها وحقائبها وحصص قوى سياسية وطائفية، في مقدمها التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل. ويبدو أن عون يتصرف كطرف من موقع الرئاسة الأولى، وهو ما يتعارض مع دور الحكَم الذي يقود السفينة مقرّباً المسافات وقادراً على اجتراح مخارج وعقد تسويات تمكّن، ليس تشكيل الحكومة فحسب، بل من وضع حلول للأزمات وحالة الانهيار التي تعصف بالبلد.

بدت مفاوضات التشكيل، وكأن هناك من يقول لرئيس الحكومة المكلف سعد الحريري إن عليه القبول بتركيبة تعكس موازين القوى، خصوصاً التحالف الذي يمثله التيار العوني و"حزب الله"، وهذا الأخير لم يسم أحداً في الاستشارات النيابية، أي أنه أعطى رئيس الجمهورية تبريراً ليفاوض على تركيب الحكومة، وإن كان لم يعترض على تسمية الحريري وترشحه قبل ذلك إلى رئاسة الحكومة.

قبل أسبوعين دخل الرئيس ميشال عون سنته الخامسة في الحكم، ولم يتمكن من إخراج تسوية تسمح بتأليف الحكومة، وإن كان التشكيل يحتاج إلى محرّك داخلي أو خارجي قوي يفرض تسوية بتنازلات معينة. وبذلك لن يستطيع عون أن يحقق أي إنجاز في ما تبقى من العهد للخروج من المأزق، فإذا لم يتمكن الحريري من التأليف، فسيتعايش عون مع حكومة حسان دياب المستقيلة، أي في مرحلة تصريف الأعمال، والتي لا تستطيع أن تتخذ قرارات أمام الكوارث التي حلّت بالبلد، بسبب تداعيات الأزمة المالية وأيضاً انفجار الرابع من آب (أغسطس) المروّع، وبالتالي سيكتب أن عهد ميشال عون أخذ البلد إلى الهاوية.

لا يُفهم من مفاوضات الحكومة والتعقيدات الماثلة، إلا أن عون يخوض معارك كثيرة على مختلف الجبهات، وآخرها مع الحريري حول التأليف، وهي معارك تنطلق من ممارسة سياسية لانتزاع أكبر حصة لـ"التيار الوطني الحر" برئاسة جبران باسيل تعرّض لعقوبات أميركية، وتوضع شروط لتشكيل الحكومة، في الحقائب والعدد والمداورة، إلى فيتوات على أطراف سمّت الحريري، علماً أن الرئيس المكلف لم ينته أصلاً من عقدة مطالبة "حزب الله" بحقائب محددة، إضافة الى اشتراط تسمية الوزراء الشيعة. أما إذا لم تتألف الحكومة باكراً، فسيكون العهد أمام محصلة مؤلمة لوضع البلد، خصوصاً أن اللبنانيين يعلّقون آمالهم على التأليف للتخفيف من الأزمة القائمة، بعدما اقتنعوا مع انتفاضتهم بأن لا إمكان لحكومة إنقاذ في ظل الهيمنة القائمة للتحالف الحاكم.

ومع ترنّح المبادرة الفرنسية لا بل سقوطها، بدا أن الفرنسيين لم يعودوا مكترثين بالتشكيلة السياسية القائمة وتركيبة النظام المتجذرة والتي لم تستطع الانتفاضة اللبنانية تفكيكها أو إزاحتها عن السلطة، يخوض عون معارك يعتبرها مصيرية، لكنها في الانهيار الراهن تؤدي إلى انعكاسات سلبية على اللبنانيين وعلى المسيحيين خصوصاً، ودورهم التاريخي في بناء الكيان. وكأنه في ممارسته السياسية يخوض معركة "نهاية العهد". ومن الاشتراطات التي وضعها رئيس الجمهورية في وجه الحريري، قبل التشكيل، تؤدي إذا أُخذ بها إلى تحكّم عون بالحكومة، ليس فقط عبر الثلث المعطل وعدد الوزراء، بل في القرار والهيمنة بالتحالف مع "حزب الله" المطمئن لحقائب "الثنائي الشيعي"، ولا بأس إذا كان التّصويب على اتفاق الطائف (الدستور) يأتي من فرض أعراف وتقاليد أمر واقع، لكنها في النهاية تنسفه من دون أن تؤدي إلى تكريس صلاحيات دستورية جديدة للموقع المسيحي الأول، إنما قد تذهب بدور المسيحيين إلى هزيمة جديدة، تماماً كما حدث بعد عام 1989. ويبدو أن عون يراهن على دعم "الحزب" في مفاوضاته لتشكيل الحكومة ولتكريس الهيمنة، وهو الحزب الذي يستطيع أن يضغط بفائض قوته ولديه القدرة على قلب الهيمنة وفق حساباته السياسية، لكن هذا الرهان قد تكون له نتائج عكسية تكرّس مزيداً من قوة "الثنائي الشيعي" وتعطيه الأرجحية لتحقيق ما يريد وصنع الرؤساء.

تراجعت الإيجابيات حول التشكيل الحكومي، وبدا أن تعقيداتها ليست داخلية فحسب، بل إقليمية ودولية متصلة بمحاولات تحسين المواقع والصراع القائم، ومرتبطة أيضاً بملفات "الترسيم" وبالانتخابات الأميركية وبحسابات تمتد من سوريا إلى إيران، إضافة إلى أن المساعدات الدولية للبنان، خصوصاً الأميركية، مشروطة بعدم مشاركة "حزب الله" في الحكومة. لكن القضية في سياق المعركة التي يخوضها عون في نهاية عهده للسنتين الباقيتين، أكبر من حصرها بمشكلة العدد، بل لضمان القرار داخلها عبر الثلث المعطل وربما الأكثرية، للتحكم بالقرار الحكومي كما كان يحصل سابقاً، وهو أمر لا يمكن أن يحدث اليوم إلا بالتحالف مع "الثنائي الشيعي".

يُصر رئيس الجمهورية اللبنانية في معركته الراهنة على تحقيق ما عجز عن تحقيقه خلال السنوات الأربع الماضية. لكن هل يتنبّه إلى أن الأزمة اللبنانية ترتبط بالتحوّلات الكبرى العاصفة في المنطقة. وهل يترك البلد مع حليفه "حزب الله" مفتوحاً على الانهيارات؟ ربما ينتظران عوامل دولية وإقليمية جديدة، من بينها خط التواصل بين الولايات المتحدة وإيران، لكن ذلك رهان خطر قد يطيح البلد وأهله...

* نقلا عن "النهار"

مادة اعلانية
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط