سارة وحكاية الحمار!
أتابع برنامجاً خفيفاً ومشوقاً، وهو في غالب الأحيان ممتع، تقدمه المذيعة سارة دندراوي على قناة العربية في أيام الأسبوع، عنوانه (تفاعلكم). ولأن سارة أصبح لديها خبرة في التقديم فهي تأخذ المشاهد الى قضايا مشوقة في الكثير من الأحيان، وفي أحيان أخرى طبعاً لا تستطيع أن تتحكم في ما يقوله ضيفها أو ضيفتها.
في الأسبوع قبل الماضي استقبلت شخصية من الأردن وكان موضوع اللقاء (الانتخابات الأردنية وانتشار إصابات كورنا في المجتمع الأردني)، موضوع له أهميته. قال المتحدث إن القضية هي قضية (وعي) وهو محق في ذلك، ثم أردف ليشبه ذلك بمجتمع الحيوانات، فهو يعشق تلك المقارنة. ظن المشاهد أن الرجل سوف يأتي بما لم يطرأ على البال، فقال إن الإنسان قد طوّع الكثير من الحيوانات، فهذا الأسد والفيل وغيرهما من الحيوانات قد اشتركت في عروض السيرك، وبعضها كان متوحشاً، إلا أن الإنسان لم يستطع أن يجعل الحمار يعمل في السيرك! لذلك فإن (الحمير) لا تتقي شر تفشي كورونا الى هذا الحد، وأصبحت سارة محرجة حتى قالت معتذرة ولكن بعفوية (نعتذر لمين والا مين) معنى أن (الحمير) كثيرة والحمد لله. هنا أنا اعترض، فالحمار أولاً استطاع أن يربح الانتخابات أخيراً، حيث أن شعار الحزب الديموقراطي الأميركي هو (الحمار) وما داموا قد استحسنوا هذا الشعار فلا بد أن الحمار حيوان مفيد، ثم أن الحمار بحد ذاته (حيوان مسالم) خدم البشرية لعدد من القرون، بل إنك تجد اليوم بعض الخيول غير المدجنة ولكنك لا تجد حماراً الا مطيعاً وخادماً لسيده. ثم أن الحمار ليست له علاقة بقلة الوعي، لأن ما إن تُعلّمه على طريق يمشي فيه فهو يفعل ذلك تكراراً ولا ينسى ذلك الطريق، كما أنه وفيّ لصاحبه، فبعض البشر ينسى مثلاً الطريق السليم أو ينسى كيف يختار كلماته ليلقيها على الناس، أو غير وفيّ، وما اكثرهم!
اذاً الحمار في الحقيقة مظلوم من كثيرين لا يعرفون قيمته، فلو قرأ الزميل كتاب (حمار الحكيم) لوجد أن الحمار تندر مشكلاته وتكثر حسناته. كيف اشترى حماراً صغيراً من أحد الفلاحين لمجرد أنه أعجب بشكله مع ذكره المواقف الطريفة التي حدثت معه عندما اشترى هذا الحمار الصغير وإقامته في الفندق وإدخال الحمار إلى غرفته من دون أن يشعر أحد بذلك، وذلك بعد أن دفع بعض النقود لأحد الخدم (وليس للحمار). وركز توفيق الحكيم في روايته على ذكر أحوال الريف المصري وما فيه من الفقر وقلة الاهتمام بأمور الصحة والنظافة عند أهل الريف، فهم بحاجة إلى توعية وإرشاد. وقارن الحكيم في روايته بين الريفي المصري والريفي الفرنسي وذلك حتى يبيّن لرفيقه (الحمار) أسباب تدني وضع الريف، وقد تأمل الحكيم أن يتحسن الوضع مع مرور الوقت ذلك من خلال تحسين وضع المرأة الريفية... إلى آخر الرواية التي كان يحدّث حماره الصبور في كل شاردة وواردة، فقد أدّى الحمار هنا خدمة متميزة للثقافة العربية لا يستهان بها.
أما حمار توما الحكيم فهو ملف آخر، حيث تقول الحكاية إن توما ورث من أبيه كتباً في الطب وقرأ (حبة البركة) على أنها (حية البركة)، فجعل يصف لمرضاه أكل (الأفاعي)، فقال حماره معترفاً أنه جاهل بسيط، ولكن توما (جاهل مركب)، هذا الجهل المركب في كثير من الأوقات يأتينا من خلال الإعلام، فالحمار لا يقرر المناهج الدراسية التي نحددها لطلابنا، ولا يقيم المؤسسات البيروقراطية المعطلة لمصالح الناس، ولا حتى يقوم بشتم البشر، ولم نسمع قط بأنفلونزا الحمير! البشر فقط هم من يفعلون ذلك.
ربما صاحبنا لا يعرف أن الإمبراطورية الرومانية قامت على (ظهر الحمير) فلولا الحمير لما استطاعت جيوش تلك الإمبراطورية اجتياح العالم القديم. أما (حكمة الحمار)، فقد خصصت لها بعض الثقافات القدح المعلى وربما لا يعرف البعض أن هناك (يوماً عالمياً للحمير) كما هو يوم عالمي للتسامح مثلاً أو حقوق الإنسان، وهناك مسابقات تجرى لاختيار (ملك او ملكة جمال الحمير). أما من يفضل شيئاً من الخرافة، فإن الحمار في تفسير الأحلام كما يقول ابن سيرين بشرى ساره وأنه يفضل الحمار في الرؤية، فهو يدل على حظوظ الإنسان والسمين يدل على الرفعة والمال والسعة.
اذاً رمزية الحمار موضوع يختلف من ثقافة الى أخرى، فبعض الثقافات تعتبر لحم الحمار من الأطعمة الشهية. وتقدم ثقافات أخرى قصص الحمير الصغيرة الجميلة كنوع من تثقيف الجيل الجديد، فتحكى حوله القصص المسلية كمثل حمار العزيز، ولا أعرف إن كان صاحبنا، محاور سارة، يعرف أو لا يعرف أن الحمير في صلب تراثنا يشار اليها أنها (زينة) وهكذا تختلط الأمور في فضائنا الإعلامي وتصل الى مكان خارج السياق، فشكراً على دقة اختيار الضيوف لبرامجنا وقد استفدنا بالمعلومات وابتسمنا أيضاً وهي فائدة مركبة كما قال أحد الحمير.
* نقلا عن "النهار"