العنف القائم على النوع الاجتماعي وباء لا يقل خطورة عن كوفيد-19
واستمرار الصمت والعجز حياله أشد خطورة
سلوى من اليمن بلغت هذا العام 35 سنة، ثلاثة عقود ونصف من حياتها غلب عليها القسوة والعنف والفقر المدقع في ظل صراع طاحن ومجاعة.. سلوى زوجت قسرا وهي طفلة، وتناوب على الإساءة إليها ثلاثة أزواج، وجاءت جائحة فيروس كورونا لتزيد من بؤسها وتدفعها فريسة للمجاعة. وفي اليمن اليوم ملايين من سلوى وأخريات ضحايا للعنف القائم على النوع الاجتماعي ومختلف الممارسات الضارة بحق النساء والفتيات.
ومن فلسطين حدثتنا عروس طفلة فقالت "كنت أبلغ من العمر 15 عامًا حينما تقدم لخطبتي رجل متزوج يكبرني بأربع عشرة سنة.. كنت صغيرة ولم أفهم شيئًا.. وبعد الزواج ظهرت حقيقة زوجي حاد الطباع، أصبح يضربني باستمرار لدرجة أنه كسر أحد ضلوعي ذات مرة. لم أكن أملك من أمري شيئًا وينتابني الشعور بالإذلال وأتلقى الإهانات واحدة تلو الأخرى. ولم يمر على زواجي أربعة أشهر حتى أصبحت حاملاً".
ظلت مسألة زواج الأطفال من مصادر القلق التي تؤرق الكثيرين حول العالم لعقود طويلة، نظرًا لما يشكله الأمر من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. وتشير الإحصائيات المتوفرة لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن واحدة من كل خمس فتيات على مستوى العالم تتزوج أو تكون طرفًا في اتحاد عرفي قبل أن تتم عامها الثامن عشر، وأن 21% من الشابات في الفئة العمرية من 20 إلى 24 سنة تزوجن وهن في مرحلة الطفولة.
وتساهم العديد من العوامل في تفشي ظاهرة زواج الأطفال في المنطقة العربية كالنزاعات المسلحة التي تتسبب في زيادة معدلات زواج الأطفال في أوساط الفتيات اللاجئات والنازحات داخليًا، والفقر والظروف الاقتصادية، وتدني مستويات التعليم. ولا شك أن الوضع السياسي والأمني المضطرب، جنبًا إلى جنب مع تفشي وباء فيروس كورونا (كوفيد-19)، قد أدى إلى تقويض الجهود المبذولة للقضاء على زواج الأطفال، وهو ما سيكون له عواقب اقتصادية واسعة النطاق.
وفي مصر تعيش ملك في الحادية عشرة من عمرها كابوس الخوف من تشويه الأعضاء التناسلية المعروف بالختان مثل الملايين من مثيلاتها في عالم اليوم، ممارسة تنتشر رغم أنها ليست من الدين في شيء وتشكل خطراً على حيوات الملايين من الفتيات وعلى مستقبلهن وسلامتهن البدنية والنفسية، فمن غير المقبول أن 92% من النساء والفتيات اللائي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة قد خضعن لشكل من أشكال تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في مصر، و88% في السودان و93% في جيبوتي و98% في الصومال، ويستمر تعرض ملايين النساء لهذه الممارسات القبيحة والمحفوفة بالمخاطر التي تبناها أناس ماتوا قبل أكثر من 7 آلاف سنة.
يعتبر زواج الأطفال وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث شكلين من أشكال الممارسات الضارة التي تتعرض لهما الفتيات والنساء عبر العالم في سياق العنف القائم على النوع الاجتماعي، لقد جددنا منذ الـ25 من تشرين الثاني/نوفمبر دق ناقوس الخطر مع إطلاق حملة الـ16 يوما لمناهضة كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات. وتستمر الحملة حتى يوم 10 كانون الأول/ديسمبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان. إن ارتباط الحملة منذ انطلاقها باليوم الدولي للقضاء على كافة أشكال العنف ضد النساء والفتيات مع يوم حقوق الإنسان تذكير جديد بأن إعمال القانون الدولي لحقوق الإنسان وتطبيق كافة المواثيق الدولية والاتفاقيات ذات الصلة، هو وحده الكفيل بالقضاء النهائي على هذا الوباء العالمي.
إن صندوق الأمم المتحدة للسكان، هو منظمة الأمم المتحدة المسؤولة عن كفالة تمتع جميع الناس: الرجال والنساء والفتيان والفتيات، بحقوقهم الإنجابية، ولديه خطة استراتيجية للقضاء على أي عنف قائم على النوع الاجتماعي، بما في ذلك تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وزواج الأطفال. وسنواصل العمل لضمان إعمال هذه الحقوق.
لقد كشف وباء كوفيد-19 عن مدى الضعف والهشاشة في الأنظمة والإجراءات الراهنة المكلفة بضمان حماية النساء والفتيات وأدى نزوح بعض الدول لتحويل الموارد المخصصة للصحة الجنسية والإنجابية ومؤسسات حماية الناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي لتعميق معاناتهن وهشاشتهن وبالتالي طالب صندوق الأمم المتحدة للسكان بعدم إهمال هذه الخدمات نظراً للخطر الذي يشكله توقفها، ودعا من أجل توحيد الجهود لضمان الحماية والسلامة للنساء والفتيات في المنطقة العربية.