حل "الكنيست" وآمال فلسطينية في زوال نتنياهو
وسط موجة من تبادل الاتهامات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشريكه رئيس الوزراء المناوب بيني غانتس؛ تم ليلة الثلاثاء حل “الكنيست” وتحديد يوم 23 مارس المقبل لإجراء انتخابات عامة جديدة. وقد تبادل الرجلان الاتهامات بالمسؤولية عن فشل حزبي “الليكود” و”أزرق أبيض” في التوافق على مشروع الموازنة، ما أدى تلقائيا إلى فشل الحكومة التي توافقا في 17 مايو 2020 على تشكيلها.
وكان الحزبان قد توصلا في وقت سابق إلى اتفاق لتمديد الموعد النهائي لإقرار الموازنة، وذلك في محاولة أخيرة لإنقاذ الحكومة، غير أن ظهور مطالب جديدة في الموازنة من قبل أعضاء من الحزبين في “الكنيست” أحبط تمرير المشروع.
وبدا واضحا أن أعضاء من الحزبين تعمدوا هذا الإحباط مدفوعين بنوع من الثقة بأن إعادة الانتخابات من شأنها تعزيز موقف الحزب الذي ينتمون إليه، فامتنعوا عن التصويت إيجابا من خلال اشتراط تلبية الموازنة تطلّبات أخرى افتعلوها. ومع سقوط المشروع يكون “الكنيست” قد أعلن عن حل نفسه بشكل مثير.
بعد الإعلان عن الحل بقليل بدأت المعركة الكلامية، فقال غانتس “إن رجلا تحت ثلاث لوائح اتهام يجر إسرائيل إلى الانتخابات للمرة الرابعة. الآن، إذا لم تكن هناك محاكمة، فلن تكون هناك ميزانية ولا انتخابات ذات نتائج مستقرة”!.
في الوقت نفسه، كانت نتائج استطلاعات الرأي تضرب في جدارة حزب “أزرق أبيض” وتؤكد أن الانتخابات الرابعة ستدمره، أما بالنسبة إلى حزب “الليكود” فإنها لن تؤثر فيه عميقا حتى وإن أدّت محاكمة نتنياهو إلى إنهاء حياته السياسية. فقد أعطت الاستطلاعات حزب “أزرق أبيض” ما بين خمسة وستة مقاعد، وهو الرقم الذي يكاد يضاهي العدد المتوقع أن يحصل عليه رئيس بلدة تل أبيب لو شكّل حزبا لنفسه.
ومع كل التوقعات المتصلة بتبدّل الخارطة الحزبية الإسرائيلية، التي تعاين استطلاعات الرأي أوزارها، اتضح أن الوزير الليكودي الصاعد جدعون ساعر يتوازن مع نتنياهو في الإجابة عن سؤال: أي الشخصيات أنسب لتسلّم وظيفة رئيس الحكومة، وذلك على الرغم من أن الاستطلاعات نفسها تعطي “الليكود” أغلبية على أحزاب “الأمل الجديد” الذي شكله ساعر وحزب “يمينا” و”يوجد مستقبل” (ييش عتيد).
وكان ساعر قد لعب دورا نشطا في منع تمديد المهلة النهائية لإقرار الموازنة لكي يجري حل “الكنيست” والذهاب إلى انتخابات رابعة. وبدا لافتا أن كل هذا يجري بضراوة بين أقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف. ففي يوم حل “الكنيست” نفسه، اتخذ حزب “الليكود” تدابير لمنع التمويل الحكومي لحزب ساعر، وردّ هذا الأخير على هذه التدابير قائلا إنها “إجراءات وحشية”.
وأثناء التصويت على مشروع الموازنة انضم أعضاء من “الليكود” إلى أعضاء من “أزرق أبيض” في التصويت الضد والمساعدة على إلحاق الهزيمة بالمشروع بفارق صوتين لكي تذهب إسرائيل إلى انتخابات رابعة. وكانت عضو “الليكود” المتطرّفة ميشال شير قد صوتت ضد في اللحظة التي قدمت فيها استقالتها من حزبها، وانضمت إلى حزب المنافس القوي الجديد على موقع رئاسة الحكومة جدعون ساعر. وكان أعضاء آخرون من حزب نتنياهو قد امتنعوا عن التصويت وأعطوا إشارات على انتقالهم الوشيك إلى حزب “الأمل الجديد” ربما تعففا عن الاستمرار تحت قيادة نتنياهو.
وبينما لم يتأخر نتنياهو في لوم غانتس وتحميله المسؤولة عن انهيار الحكومة وشل التدابير المالية لتسيير أعمالها، دعا غانتس إلى تشريع يمكّن الدولة من العمل بموازنة متجددة للعام 2021 لكي يتوافر الحد الأدنى من المرونة خلال الربيع وموسم الانتخابات. وأكد أن نتنياهو ووزير المالية حرما إسرائيل من موازنة لستة أشهر، وكان ذلك بمثابة انتهاك صار لالتزاماتهما، وكل ذلك من منطلق اعتبارات شخصية ضيقة ومصلحة ذاتية.
في هذا الخضم السجالي الذي تشهده إسرائيل على مستوى اليمين المتطرف لم يركز المسؤولون في الجانب الفلسطيني على أن ما يجري في محاذاتهم لا يزال محضورا في الإطار الديمقراطي، وأن الأحزاب اليمينية المتطرفة، على الرغم من تشدّدها حيال الآخر الفلسطيني، تعطي المواطن في إسرائيل حقوقه السياسية كاملة ويكون لكل صوت انتخابي قيمته.
فقد كان التركيز الفلسطيني على شخص نتنياهو. لذا سرعان ما جاء رد الفعل الفلسطيني على حل “الكنيست” والذهاب إلى انتخابات رابعة، حيث أعلن مسؤولون فلسطينيون عن تفاؤلهم بالخلاص من نتنياهو. وردة الفعل هذه بمثابة مثال جديد على ضيق أفق الممسكين بالقرار السياسي الفلسطيني الذين يرون بأمهات عيونهم أن بدائل نتنياهو هم الذين يتقصّدونه بسبب ما يرون أنه تطرف أقل.
وكان مسؤولون فلسطينيون في رام الله قد أعربوا ليلة التصويت على مشروع الموازنة الإسرائيلية، عن أملهم في أن يؤدي التصويت إلى نهاية حقبة نتنياهو.
وفي نوع من التذاكي الطريف قال أحد هؤلاء لوسائل الإعلام الإسرائيلية، دون ذكر اسمه، إن السلطة الفلسطينية “لا تتدخل في الشأن الإسرائيلي الداخلي لكنها ترغب في رؤية الإسرائيليين يصوتون لمرشحين يؤمنون بعملية سلام حقيقية مع الشعب الفلسطيني”. وقال آخر إن “السلبطة” الفلسطينية تنتظر أن تسفر الانتخابات على حكومة إسرائيلية “تستجيب لمبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام”.
معنى هذا الكلام، أن قيادة السلطة الفلسطينية التي لا تعطي حقا سياسيا لطيف فلسطيني ولا تتيح لمؤسسة دستورية أن تنهض، تريد من إسرائيل أن تجد نفسها مضطرة للاستجابة إلى مبادرات محمود عباس!
* نقلا عن "العرب"