ماكرون شخصية العام اللبناني: نجح حيث فشل!

فارس خشّان
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

يستحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالمعطى اللبناني، لقب شخصية العام 2020 بامتياز.

لم تقتصر إطلالته القوية في الملف اللبناني على ما ولّدته من آمال بإنقاذ ممكن، ولا على ما أنتجته من خيبات أضيفت على المآسي المتراكمة، فحسب، بل توسّعت الى مستوى المساهمة الاستثنائية في إظهار القيادات السياسية على حقيقتها "القبيحة والسيئة والمضرة والمخجلة والمرتهنة"، أيضاً.

صحيح أنّ هذه القيادات اللبنانية قد أفشلت، بالتواطؤ حيناً وبالمداورة حيناً آخر، المسعى الرئاسي الفرنسي ولكنّ الصحيح أيضاً أنّها جلبت لنفسها العار، فصفاتها الممقوتة باتت، وبكل لغات الأرض، على لسان جميع السياسيين والدبلوماسيين والباحثين والمفكرين والإعلاميين.
إنّ هذا التطور الكبير قد لا يعني شيئاً لكثير من اللبنانيين الذين تشغلهم هموم تحصيل قوتهم، ولكنّه هو الإرث الذي سيبنى عليه غد لبنان.

ما لا يدركه البعض أنّ الإنهيار كان حاصلاً، سواء تدخلت فرنسا أو لم تتدخل، ولكن ما لم يكن ممكناً، لولا هذا التدخل، أن يتعرّف العالم على الصفات الحقيقية للطبقة التي تتحكّم بلبنان وبخيراته وبشعبه.

ومعرفة الحقيقة كانت وستبقى، حجر الزاوية في إعادة بناء الأوطان.
لقد بات اللبنانيون ومعهم المعنيون بلبنان أينما كانوا، يعرفون أنّ الثمن الغالي الذي يدفعونه اليوم، على كل المستويات، سببه الأوّل والأخير، هذه النوعية من القيادات السياسية، وأنّ خلاصهم يبدأ بالتخلّص منها.

-2-
بدأت الحكاية، قبل انفجار مرفأ بيروت الكارثي.
في الثامن من تموز(يوليو)، فاجأ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان العالم بتوجيهه كلمات مهينة الى الطبقة السياسية اللبنانية، عندما خاطبها من مجلس الشيوخ الفرنسي تحت عنوان "ساعدونا حتى نستطيع أن نساعدكم".

أقدم على تحقير حكّام لبنان، على الرغم من أنّه كان أدرج على جدول أعماله زيارة لبيروت، قام بها في الثاني والعشرين من الشهر نفسه، حيث استقبله "المهانون" بحرارة لافتة للإنتباه.
وخلفية لودريان كانت واضحة، ففرنسا التي ترعى تنفيذ مؤتمر "سيدر"، وجدت نفسها عاجزة أمام شركائها الدوليين، عن دفع لبنان الى الإلتزام بتعهداته التي تبدأ بالإصلاح المالي والإداري، وتمر بمكافحة الفساد والعجز في قطاعات عدة يتقدمها قطاع الكهرباء، وتصل الى نأي لبنان بنفسه عن حروب المنطقة وصراعات محاورها، إذ يلعب "حزب الله" أدواراً عسكرية وأمنية، حيث يأمر "الحرس الثوري الإيراني".

وفيما كان الإنهيار يضرب عميقاً بنية الدولة اللبنانية ويرمي شعبه في جحيم مالي واقتصادي واجتماعي غير مسبوق، لم يخطو المسؤولون اللبنانيون خطوة واحدة نحو احترام التعهدات التي قطعوها، لا بل إنّهم، عندما ثار اللبنانيون في 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، بدل أن يلبوا التطلعات الشعبية، تواطأوا عليها وهددوا واحتالوا وناوروا، إلى أن تمكنوا من الإلتفاف عليها.
غادر لودريان، وهو أكثر الشخصيات السياسية خبرة في المرحلة الراهنة وأقدمهم عهداً في شغل مناصب حكومية، لبنان محبطاً. لقد بدا مقتنعاً أنّ خلاص لبنان ليس معقوداً على هذه النوعية من المسؤولين، بل على التخلّص منها.

وبعد انفجار مرفأ بيروت وما أنتجه من ويلات وكوارث، أخذ الرئيس الفرنسي الملف اللبناني على عاتقه. كان على قناعة تامة بأنّ هذا الإنفجار سيكون محطة فاصلة بين ما كانت عليه الأحوال السياسية بالأمس وما ستكون عليه حالياً. صراخ الدماء ومشاهد الدمار التي هزّت العالم، ظنّ أنّها ستهز الطبقة السياسية اللبنانية.

وبهذه القناعة توجّه الى بيروت في السادس من آب(أغسطس) وعمل على خطين، الأول توفير مساعدات عاجلة لإعادة إعمار بيروت ومساعدة المتضررين من الإنفجار، وإطلاق مسار سياسي يمكنه إنقاذ لبنان من أزمته التي انفجرت بقوة، قبل انفجار المرفأ.

وقبل أن يعود الى لبنان في الأول من أيلول (سبتمبر)، حيث أطلق المبادرة الشهيرة التي تقوم على تشكيل "حكومة مهمة" برئاسة مصطفى أديب، نظّم مؤتمراً دولياً لدعم إعادة إعمار بيروت.
وبين السادس من آب (أغسطس) واعتذار أديب عن تشكيل الحكومة، تولّى ماكرون الدفاع عن الطبقة السياسية اللبنانية، على أساس أنّها "نتاج الانتخابات النيابية" وتالياً، فهي حتى إشعار آخر، المرجعية الصالحة في لبنان.

ولكن مع اعتذار أديب الذي وضّب حقائبه عائداً الى مكتبه سفيراً للبنان في ألمانيا، عقد ماكرون مؤتمراً صحافياً شنّ فيه أعنف هجوم على القيادات السياسية اللبنانية، موجهاً إليها التهم التي لا يرضاها أصغر مستخدم في الدولة.

في هذا المؤتمر، ظهرت رهانات ماكرون الخائبة. هو لم يكن قد تجاوز الإستياء الأميركي فحسب، بل كان قد أهمل، أيضاً نصائح وجهتها له شخصيات فرنسية مخضرمة، بأنّ كل مسعى لحل الأزمة اللبنانية يتجاهل الدور التدميري لـ "حزب الله" في لبنان سيبوء بالفشل، لأنه هو "العلّة وأصل العلّة".

في مؤتمره الصحافي، كان لـ"حزب الله" الحصة الوازنة، إذ لم يتهمه ماكرون بالعرقلة فحسب، بل بترهيب السياسيين اللبنانيين أيضاً.

ولكنّ هذه الإهانات، كما اتضح لاحقاً، لم تكن تهدف الى تجميد المبادرة الفرنسية، بل كانت محاولة لتفجير العوائق التي تقف في وجهها.

ومن أجل ذلك، تمّ تسليم الملف اللبناني الى الخلية الدبلوماسية في الرئاسة الفرنسية، فيما تراجعت وزارة الخارجية "المشكّكة" الى الصف الخلفي.

وسعى المستشار باتريك دوريل أن ينقذ ماء وجه رئيسه، ولكنّ مساعيه التي تضمنت زيارة عمل لبيروت، لم تثمر، على الرغم من أنّها تزامنت مع افتتاحية قوية لصحيفة "لوموند" حذّرت، بعد إهانة القيادات اللبنانية، من أنّ المجتمع الدولي بدأ يمل من الملف اللبناني، إذ أصبح لبنان، وحشاً لا يمكن السيطرة عليه.

وفي الثالث عشر من كانون الأول (ديسمبر) وقبيل تسعة أيام على زيارة قررها ماكرون لبيروت، عاد وزير خارجيته لودريان الى الموضوع اللبناني، وأعرب في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن يأسه من الموضوع اللبناني، وشبّه حال لبنان بسفينة "تيتانيك" فيما كانت تغرق في المحيط الأطلسي، ووصف المسؤولين اللبنانيين بالمرضى النفسيين، إذ قال عنهم أنّهم يعيشون في "حالة إنكار".

وجاءت إصابة ماكرون بفيروس كورونا، عشية توجهه الى بيروت، لتُلغي الزيارة التي كانت تهدف الى معايدة القوة الفرنسية ضمن قوات الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان.

بطبيعة الحال، كان البعض يعلّق على هذه الزيارة آمالاً، لكن العارفين بحقيقة الأمور، يجزمون بأنّها كانت آمالاً زائفة، ويكفي التدقيق في المبررات التي حالت وتحول دون تشكيل حكومة جديدة في لبنان، لإدراك هذه الحقيقة.

-3-
إنّ دوائر القرار الدولية، تؤكد أنّ ملف لبنان معلّق حتى إشعار آخر على إرادة إيرانية بتجميع أوراق العواصم التي تسيطر عليها، لتصرفها على طاولة المفاوضات التي تريدها مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

وعندما تحدّث المسؤولين الفرنسيين عن ذلك، يلتفون على هذه المعلومات الصادرة عن دول صديقة لإيران، مثل روسيا الإتحادية، ويقولون:" لا يهمنا ما تريده الدول الأخرى من لبنان، كان رهاننا ويبقى أن تشعر القيادات اللبنانية بحجم المأساة الوطنية، لتلتفت حصراً الى بلدها والى شعبها".

هذا الكلام يثير السخرية سياسياً ولكنّه يثير الغضب وطنياً.

*نقلا عن "النهار"

مادة اعلانية
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة