لا تصدقوا فيروز
الانتقال من سنة الى سنة جديدة هو مجرد انتقال من 31 كانون الاول (ديسمبر) الى 1 كانون الثاني (يناير)، اتفق على أن يقلب معه عداد السنين بإضافة العدد واحد.
كيف أصبح هذا الانتقال الوهمي عيداً تقام له الاحتفالات الباذخة وتنفق من أجله المدخرات؟ بل كيف كرس باعتباره إنتقالاً من حال الى حال، ومن مرحلة الى أخرى مختلفة، وقطعاً مع الماضي (الذي تفصله عن الحاضر والمستقبل دقائق أو ثوانٍ)؟
لعلّ الناس في مختلف أنحاء العالم يتخذون من هذه الليلة مناسبة للفرح وللأمل رغم معرفتهم اليقينية بأنه يوم عادي ككل الأيام وبأن آتي الأيام هو استمرار لما سبقها، وأن قلب الأرقام ليس سوى عملية إجرائية لتنظيم الحياة البشرية بتعقيداتها الكثيرة، اعتماداً على علم الفلك (وليس التبصير).
اللبنانيون، تقليدياً، من أكثر الشعوب إحتفالاً وبذخاً في هذه الليلة، حتى في أشد أيامهم سواداً. لكن ليلة هذه السنة ستمر على غير العادة. لن تكون باذخة والجوع على الأبواب. لن تكون فرحة وفي كل بيت مريض يعاني. لن تكون سعيدة والابناء مشتتون كل واحد في بلاد...
سيحتفلون، كل على قدر إمكاناته، وفي منزله غالباً. سيطفئون أجهزة التلفزيون بعدما يكون المهرجون والبراجون أمطروهم بنبؤات سوداء أوحت بها عليهم مصادر خفية، ولن يحلموا بشيء. ولى زمن الاحلام الوردية. انه زمن النسيان وترك الأمور لمن بيده زمام الامور. لقد أسقط في يدهم وباتوا عاجزين عن الحركة وحتى عن التفكير.
سيستفيق اللبنانيون غداً، وربما نسوا أن يقلبوا الورقة الاخيرة من الرزنامة، فالأمر سيان. وماذا اذا لم ينزعوها أبدا؟
سيستفيقون والشمس هي الشمس والقمر هو القمر والنجم هو النجم. كل في محوره لا يتغير ولا يتبدل ولا بهتز.
غداً أول يوم من 2021، لكن بماذا سيختلف؟ بلا شيء.
لن "يفاجئننا" القابضون على مصير البلد بعيدية. لن يتزحزحوا عن عنادهم العظيم ولا عن حقوق طوائفهم ومذاهبهم ورعاتهم وزبانيتهم. سيظلون يوهموننا بأنهم خلقوا من أجلنا ومن أجل بقاء هذا الوطن الذي لا معنى لوجوده من دونهم.
سيرددون على مسامعنا ليل نهار ان الله اختارهم لهذه المهمة النبيلة التي تهد أكتافهم وتحرمهم النوم.
غداً لن تتشكل حكومة جديدة، فـ 1 كانون الثاني 2021 مثل 1 كانون الأول 2020 لا فرق. الحكومة ليست أولوية، الحصة هي الأولوية "وعمرها ما كانت حكومة اذا لم تحفظ الحصة كاملة". "البلد ماشي" بلا حكومة وبلا موازنة وبلا خطط وبلا كهرباء وبلا احتياطي بالعملات العالمية... أليس هذا ما علمناه للعالم قبل ان يقع هذا "الإفتخار" اللبناني الفارغ على رؤوسنا جميعا؟.
غداً لن ينخفض سعر الدولار ولا أسعارالسلع الضرورية ولا فاتورة الكهرباء ... لن ترد لنا المصارف مدخراتنا التي جمعناها دولاراً دولاراً. ولن نعود قادرين على الاستشفاء، فلا تمرضوا. تداووا بالأعشاب والزهورات ولاتغادروا منازلكم خوف كورونا فاللقاح ليس بقريب.
غداً لن يحاسب أحد على الفظائع المرتكبة بحق هذا الوطن وشعبه المُتعب. لن تعقد المحاكمات ولن تصادر الاموال المنهوبة ولن يدخل أحد السجن، وسيبقى الإفلات من العقاب أقوى من الحق وأقواس العدالة. سيستمر نظام الكيديات يحمي اللصوص والمرتشين والفاشلين في وظائفهم التي أسندت إليهم في غفلة من العقل والضمير.
ودعوا أولادكم ولا تنتظروا عودتهم، فلن يعودوا. جربوا أن تلحقوا بهم في أقرب فرصة وانسوا مقولة مرقد العنزة وتربة الوطن فكل تراب العالم سيحضنكم.
ستقلب الروزنامة وسيكمل العالم حياته. وسيكمل اللبنانيون حياتهم هبوطاً حراً الى جهنم. لا خيار لديهم طالما لا يملكون قرارهم. انقطعت حبالهم وتفرقوا أتباعاً أتباعاً، إلا من أوتي الحكمة والرشد. وهم إذ وجدوا أنفسهم بين يوم وآخر بلاسند ولا ضامن ولا دولة ترعاهم، لم يعد أمامهم سوى عد الأيام وتقليب أوراق الروزنامة.
غنت لنا فيروز"ايه في أمل"...لا تصدقوها.
* نقلا عن "النهار"