المرجعيةُ الشيعيةُ في الخليج: نقاشاتٌ غيرُ مُكتملة!‏

حسن المصطفى
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

قبل سنوات، كنت في نقاش مع إحدى الشخصيات ‏الرفيعة، التي كانت تقوم بمهام خاصة في الدبلوماسية ‏السعودية، حيث أخذنا الحديث إلى تناول المرجعية الدينية ‏للمسلمين الشيعة، في دول الخليج العربي، حينها قال لي ‏محدثي: "لا يهمنا إلى من يرجع الناس في تقليدهم، تلك ‏مسألة فقهية بينهم وبين الله، لا نتدخل فيها. ما يهمنا أن ‏يكون ولاؤهم للوطن وحسب، وليس لأي جهة خارج ‏الحدود".‏

إجابة الشخصية الرفيعة، كانت تنمُ عن وعي مكنه من ‏التمييز بين العلاقة الروحية الدينية ذات الطابع الفقهي ‏البحت، والعلاقة التي تأخذ منحى آخر، سياسياً أو حزبياً. ‏فالأولى حرية فردية، والثانية تندرج في باب تتسلل منه ‏الريبة التي يلجُ منها الشيطان.‏

مادة اعلانية

كان يدرك المتحدّث الذي عمل لسنوات طويلة في ملفات ‏شائكة، أن السعودي الشيعي، هو مواطن أولاً وقبل كل ‏شيء، وأن علاقته الفقهية مع مرجع التقليد ليست تهمة أو ‏مخالفة للقانون، لأنها تشبه تلك العلاقة الروحية والدينية ‏بين مسلم في إندونيسيا أو الأردن أو العراق أو سواها، ‏بمرجعيته التي يعتقد بها في "هيئة كبار العلماء" ‏بالسعودية، أو "الأزهر الشريف" في مصر، على سبيل ‏المثال. أي أنها علاقة ذات طابع "تعبدي – فقهي" وليست ‏نوعاً من الولاء السياسي العابر للحدود والمتناقض مع ‏المصالح الوطنية العُليا للدول.‏

تذكرتُ القصة أعلاه، وأنا أقرأ البحث الذي نشره "معهد ‏الشرق الأوسط"، بعنوان "إمكانية التحول لدى الشيعة: ‏هل سيظهر مرجع من شبه الجزيرة العربية"،في 12 ‏كانون الثاني (يناير) الجاري، وهي المادة التي أعدها الباحثان: د. عباس ‏كاظم من العراق، ود. عبد الله آل ربح من السعودية.‏

نقاشات المرجعية
المادة التي قدمها كاظم وآل ربح، بها العديد من الأفكار ‏التي تستحق أن تكون محل بحث من قبل المختصين، ‏وهي تشكل مجهوداً علمياً اشتغل عليه الباحثان من أجل ‏تقديم أطروحتهما بشكل علمي، رغم ما شابها من خلل أو ‏عدم دقة أو افتقاد للتحليل والرؤية الاستشرافية في عدد من ‏المواضع.‏

ما يحسبُ للكاتبين أنهما أظهرا للعلن موضوعاً هو ‏بالأساس ليس جديداً، وإنما كان محل نقاش مستفيض منذ ‏سنوات خلت، سواء في مجالس المواطنين الشيعة في ‏السعودية أو بقية دول الخليج العربية، كما صالونات ‏بعض المسؤولين المعنيين بـ"الملف الشيعي"، والعاملين ‏على تطوير آلية فهم جديدة للخطابات الدينية على ‏تنوعاتها المختلفة.‏

إذن، أصلُ الموضوع ليس بالجديد، ولذا، فإن الأفكار ‏المطروقة لن يكون لها ذلك الإبهار عند المشتغلين ‏بـ"الملف الشيعي"، وتحديداً ممن هم من داخل "البيت ‏المذهبي"، أو الباحثين المهتمين بشؤون المرجعية الدينية.‏

أهمية ما قدمه عباس كاظم وعبدالله آل ربح، تكمن في ‏‏"الرسالة السياسية" التي تضمنها البحث. وهي رسالة ‏يمكن مناقشتها بطرق مختلفة، خصوصاً أن التأسيس لبيئة ‏صحية، باستطاعتها أن تحتضن مرجعية محلية، أمرٌ لا ‏يزال في مراحله المبكرة، وإن كان يستحق العمل عليه ‏بشكل علمي ومنهجي، وبعقل متحرر من النزعة الطائفية ‏أو الاستخدام السياسي النفعي.‏

أخطاء علمية
ليس من الإنصاف أن يُبخس الباحثان جهدهما، إلا أن ‏القارئ الفاحص، سيجد عدداً من الأخطاء التي شابت ‏الدراسة، ومنها على سبيل المثال:‏
• عند حديث كاظم وآل ربح، عن المجتهدين في ‏السعودية والبحرين والكويت، تمت الإشارة إلى ‏أسماء علماء مثل: الشيخ محمد علي العمري، والشيخ ‏عبد الأمير الجمري، والسيد محمد باقر المهري. هؤلاء ‏العلماء كانوا شخصيات ذات حضور إجتماعي ‏وديني، وكان للجمري والمهري أدوار سياسية، إلا ‏أنهم جميعهم ليسوا بـ"فقهاء"، ولم يحصلوا على لقب ‏‏"آية الله"، وليس لهم شهرة كأصحاب رأي فقهي، أو ‏أساتذة للبحث الخارج، الذي يعد أعلى الدروس الدينية ‏في الحوزات العلمية الشيعية.‏

• ساقت الدراسة أسماء عدد من علماء الدين في ‏البحرين، ممن اعتبرتهم "أبرز الأسماء المرشحة" ‏لتولي منصب المرجعية الدينية، بُعيد رحيل آية الله ‏العظمى السيد علي السيستاني، ومنهم: الشيخ عيسى ‏قاسم، والسيد عبد الله الغريفي. والمتتبع لسيرة قاسم ‏والغريفي، يعرفُ أنهما شخصيتان قياديتان، لهما ‏أدوار سياسية واجتماعية وثقافية، أي أنهما زعامات ‏‏"دينية – سياسية"، وليسا في وارد أن يكونا مرجعين ‏دينيين، وأن "المرجعية" لها اعتبارات مختلفة، لا ‏تقتصر على "الفقاهة" وحسب، أو التصدي للشأن ‏العام. ‏

• ذات الخلل السابق، وقع عند مناقشة الأسماء المقترحة ‏في السعودية، عندما تمت الإشارة إلى الشيخ حسين ‏العمران، وهو واحد من أبرز الشخصيات الدينية ‏الكلاسيكية في المنطقة الشرقية، ويشارُ إليه ‏بـ"الاجتهاد". إلا أنه بعيدٌ كل البعد من طرحِ نفسه ‏كمرجع ديني، حيث أنه أمر أتباعه بأن يختاروا بين ‏أحد ثلاثة مراجع، وهم: السيد علي السيستاني، والسيد ‏محمد سعيد الحكيم، والشيخ الوحيد الخراساني. كما أن ‏العارفين بسيرة العمران ونهجه، يدركون أنه ليس مع ‏فكرة "المرجعية المحلية". ‏

• لا يكفي أن يكون عالم الدين فقيهاً، كما في شخصية ‏الشيخ محمد السند، الذي تم وضعه في صدر قائمة ‏المرشحين المحتملين في الورقة البحثية التي أعدها ‏د. عباس كاظم، ود. عبد الله آل ربح. فالسند رغم ‏امتلاكه للمؤهل العلمي، إلا أن أطروحاته تتسم ‏بـ"المذهبية" وضيق الأفق الفكري، فضلاً عن خبرته ‏المتواضعة إدارياً، ومحدودية الوعي السياسي، ‏وخطابه الصدامي ضد الحكومة البحرينية. يمكن -‏ مثلاً - تتبع خطبه إبان فترة أزمة فيروس كوفيد -19، ‏وحثه الناس على الذهاب إلى المقامات الدينية المقدسة ‏للمسلمين الشيعة، بأسلوب مخالف لكل الإجراءات ‏الطبية الموصى بها، لمعرفة أي فكرٍ يحمل بين دفتيه! ‏شخصية بهذا العقل الماضوي، لن تكون مناسبة لأن ‏تتبوأ منصباً حساساً، في وقت تسير فيه دول الخليج ‏نحو مزيد من التنمية والمدنية والتحرر الفكري ‏والاجتماعي.‏

العلاقة مع الدولة
تساجلُ الدراسة، بأن وجود مرجعية محلية للمسلمين ‏الشيعة في السعودية أو البحرين، من شأنه أن يساعد في ‏حل قضية شائكة، تتمثل في علاقة المواطنين الشيعة ‏بدولهم، وتخفيف الاتهامات التي يطلقها المتشددون ‏تجاههم من أنهم يوالون الخارج، وتحديداً نظام الجمهورية ‏الإسلامية في إيران.‏

ربما تساهمُ المرجعية الدينية المحلية بشكل جزئي في ‏التخفيف من حدة الخطاب الاتهامي الموجه للمواطنين ‏الشيعة، إلا أنها ليست المدخل الأساس لعلاج المشكلة.‏

إن قضية "الولاء"، تتعلق بطبيعة العلاقة مع كيان ‏الدولة، أي أن الطريق العملي للحد من السجالات التي ‏تأخذ صورة تراشقية، هو ترسيخ مفهوم "المواطنة ‏الشاملة"، و"سيادة القانون"، والعلاقة السوية بين ‏المواطنين ومؤسسات الدولة، بحيث يتم تحييد الدين ‏والمذهب، بوصفهما شأناً فردياً، وحقاً خاصاً من حقوق ‏كل مواطن. وبالتالي، هنالك علاقة تعاقدية، تشاركية، ‏أساسها: مواطنون لهم حقوق وعليهم واجبات، وجميعم ‏متساوون أمام القانون، بعيداً من أي تفضيلٍ مذهبي أو ‏عرقي أو مناطقي أو جنسي. ‏

هنالك تحوّل كبير في دول الخليج العربي، وإذا أخذنا ‏المملكة العربية السعودية، فسنجد أن الخطابات الملكية، ‏والتي تصدر عن الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده ‏الأمير محمد بن سلمان، تركز على "مرجعية الدولة"، ‏ككيان مدني لجميع المواطنين، بعيداً من أي تصنيفات. ‏وبالتالي، فإن القانون هو الفيصل تجاه من يخالف الأنظمة ‏ويقوم بالتخابر مع أجهزة خارجية، سنّياً كان أم شيعياً. ‏وفي ذات الوقت، سيكون القانون هو الأداة الفاعلة ‏والرادعة قبالة أي خطابات فتنوية، أو أصوات تحرض ‏على العنف والكراهية، أو اتهامات باطلة يطلقها البعض ‏تجاه مواطنين أصيلين وشركاء في الأرض، تتهمهم ‏جزافاً وفرية بالعمالة والولاء للخارج.‏

‏"المرجعية الدينية المحلية"، لا تمتلك عصاً سحرية، ‏وهي على أهمية وجودها المتين والمستقل بعيداً من أي ‏إكراهات، إلا أنها ليست بديلاً عن القانون الذي ينظم سير ‏الدول الحديثة، فالمرجعية تحت سقف القانون، وليست ‏أعلى منه.‏

إغفال عامل الزمن
ربط التجارب بسياقها الزمني أمرٌ في غاية الأهمية، ‏لفهم وتحليل الأحداث، وعدم انتزاعها من زمانها ‏وإسقاطها على أزمنة جديدة، مختلفة كلياً في الظروف ‏الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.‏

‏ وأشار الباحثان عباس كاظم وعبد الله آل ربح، إلى أنه ‏‏"تاريخياً، فإن الشيعة في الجانب العربي من الخليج كانوا ‏يقلدون مراجعهم المحليين، بل إن المرجعية المحلية كانت ‏تهيمن على مجتمعات المنطقة حتى تراجع نفوذها في ‏الربع الثاني من القرن العشرين"، مضيفان: "لقد نال ‏المراجع المحليون في تلك الفترة احترام قادة المجتمع ‏وحكام المنطقة". هذه الإشارة رغم صحتها، إلا أنها ‏أغفلت أن "مفهوم التقليد" الحالي، تطور، وتعقد، وطرأ ‏عليه الكثير من التغييرات التي لم تكن موجودة قبل نحو ‏قرن من الزمان!‏

عندما كان المواطنون في القطيف أو الأحساء أو ‏البحرين يرجعون إلى فقهاء بلداتهم وقراهم، فإنهم كانوا ‏يأخذون العلم من "عالم المدينة"، ويستفتونه في قضايا ‏محدودة، تتعلق بالصلاة والصيام والحج والخُمس، أو ‏القضاء. أي أنها كانت مسائل صغيرة. كما أن الفقيه لم ‏يكن لديه جهازه المرجعي ومؤسساته وشبكة وكلائه ‏المتشعبة كما هو عليه الآن. ولذا، لا يمكن أخذ تجربة ‏‏"بدائية" لتكون نموذجاً في زمن التقنية والتكنولوجيا ‏المتسارعة والمعلومات المتدفقة والحريات الفردية ‏والاجتماعية!‏

لقد تجاوز الزمن علماء الدين التقليديين، وحتى أولئك ‏الذين يرومون التطوير واجتراح خطاب حديث أكثر ‏مرونة وقابلية على الحياة، قليل جداً منهم من استطاع ‏المواكبة، سواء من علماء الدين السنّة أو الشيعة.‏

لكي نفهم جزءاً من التغيير الجذري الذي حصل، يمكن ‏العودة إلى زمن مرجعية آية الله السيد محسن الحكيم، الذي ‏كان زعيم المسلمين الشيعة في العالم حينها. ‏

الحكيم له صورة شهيرة، وهو يجلس على الأرض بكل ‏تواضع وبساطة، وإلى جانبه أمير البحرين السابق الشيخ ‏عيسى آل خليفة، أثناء زيارة قام بها إلى مدينة النجف.‏

شاه إيران الراحل، محمد رضا بهلوي، كان هو الآخر ‏ينظر إلى السيد الحكيم باحترام كبير وإجلال، وكان ‏يحرص على عدم الاصطدام به.‏

وقتها كان أغلب الشيعة في الخليج يأخذون أحكامهم ‏الفقهية من فتاوى السيد الحكيم، ولم يكن أحدٌ يتهمهم ‏بالعمالة أو التآمر أو وجود علاقات خارجية مريبة!‏

لقد تعالت هذه الاتهامات مع ازدياد استخدام الدين ‏لأهداف سياسية، وتحديداً بعد صعود الصحوتين السنّية ‏والشيعية: إنتصار الثورة الإسلامية في إيران، واحتلال ‏جهيمان العتيبي للحرم المكي الشريف، وما تلاه من ‏حرب بين العراق وإيران، والجهاد الأفغاني، وظهور دور ‏أكبر لتنظيمات وتيارات إسلامية حركية مثل: "الإخوان ‏المسلمين"، "السرورية"، "حزب الله"، "حزب الدعوة"، "داعش"، "‏القاعدة"، "السلفية الجهادية"، "كتائب حزب الله"، "عصائب أهل ‏الحق".. وسواها من الأحزاب والميليشيات المتصارعة؛ ‏وزاد منها استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات ‏الفضائية في نشر خطاب التحريض والكراهية!‏

هذا أنموذج بسيط على جزء من التغيرات الكبيرة التي ‏حصلت في منطقة الشرق الأوسط، وأدت بدورها إلى ‏تبدل في مهام المرجعية الدينية وخطابها وعلاقتها مع ‏المؤمنين في الدول المختلفة.‏

الخُمس وتحويل الأموال
الدراسة التي نشرها "معهد الشرق الأوسط"، أشارت ‏إلى ما اعتبرته مصادر القلق لدى الأنظمة في الخليج، ‏مبينة أن "مصدر القلق الثاني هو تحويل مبالغ الحقوق ‏الشرعية والذي يعتبر في بعض دول المنشأ نوعاً من ‏الدعم لدولة، أو قيادات، أجنبية، وإن كان فرضاً دينياً ‏إسلامياً حسب الفقه الشيعي ويدفع إلى المراجع الذين ‏يوزعونه بدورهم على مشاريع خيرية يتبناها المرجع من ‏دون تدخل للدولة التي يقيم فيها في عملية صرفه ‏للأموال".‏

إن مراقبة تحويل الأموال، لا تتعلق بـ"الخُمس" ‏وحده، والذي يدفعه جزء من المؤمنين الشيعة إلى وكلاء ‏مراجع الدين، وإنما هي عملية تشمل جميع التحويلات ‏الخارجية، بغية الحد من تمويل الإرهاب، أو غسيل ‏الأموال، أو الإتجار في المواد غير المشروعة. أي أنها ‏قضية ليست ذات طابع "مذهبي"، وهي لا تخص دول ‏الخليج، بل العالم بأسره.‏

وعليه، فإن افتراض الباحثين عباس كاظم وعبد الله آل ‏ربح، من أن وجود مرجعية دينية محلية، من شأنه أن ‏يساهم في حل تعقيدات أموال "الأخماس"، هو افتراضٌ ‏على صحته، مبالغٌ فيه، لعدة أسباب:‏

• أموالُ الخٌمس هي في "فائض المؤنة"، أي ما زاد ‏عن حاجة الإنسان. وبالتالي، وخصوصاً في ظل ‏الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم، ‏فليس هنالك من فائض مادي لدى العديد من الناس، ‏الذين بالأساس يضطرون للاقتراض لسداد جزء ‏من التزاماتهم المادية. ما يعني أن مداخيل الأخماس ‏ليست بالصورة التي يتم الترويج لها وتضخيمها.‏

• ليس جميع الأثرياء الشيعة يدفعون الخٌمس، بل ‏هنالك العديد من التجار الأثرياء غير ملتزمين ‏دينياً، كما أن هنالك عدداً منهم لا يؤمنون بأحقية ‏دفع هذه النسبة من أموالهم.‏


• جزء أساسي من الأثرياء الملتزمين دينياً في ‏الخليج، هم من الكلاسيكيين، أي أولئك البعيدين ‏من السياسة، ويرجعون في التقليد إلى شخصيات ‏دينية غير حزبية، وبالتالي فإن أموالهم في جزء ‏كبير منها تصرف في الداخل، أو يذهب جزء منها ‏إلى المشاريع الخيرية لمرجعية السيد علي ‏السيستاني أو السيد محمد سعيد الحكيم.. وسواهما من ‏علماء الدين غير المرتبطين بالنظام في إيران.‏


• الحل الأكثر عملانية لموضوع الأخماس، ليس ‏بوجود مرجع فردٍ، وإنما عبر إنشاء مؤسسات ‏محلية في كل دولة، تعنى بإدارة شؤون الأوقاف ‏والأخماس والقضاء الجعفري، تكون تحت رعاية ‏الدولة، وجزء من بنيتها القانونية، وتشرف عليها ‏شخصيات معروفة بالكفاءة والنزاهة، وتعمل على ‏إنشاء مشاريع اجتماعية وخيرية وخدمية، تصب ‏في صالح المواطنين. وهذا النوع من المؤسسات ‏يكون له نظامه المستقل، والصادر بأمر من القيادة ‏السياسية في كل دولة، ويتبع في عمله إلى تلك ‏القيادة، بوصفه إحدى الهيئات الرسمية التي تحظى ‏بلائحة حديثة تنظم عملها وتطوره.‏

الأفكار المتجاوزة
نقاشٌ يطولُ، ذلك المتعلقُ بـ"المرجعية الدينية ‏المحلية" في دول الخليج العربي. وهو بحثٌ يستحق أن ‏يؤسس له بشكل هادئ، عقلاني، غير متعجل. إلا أن الأهم ‏أن يكون مواكباً للتغيرات المتسارعة في المجتمعات ‏الخليجية عموماً، والسعودية خصوصاً. لأن هذه المجتمعات ‏هي اليوم في طريقها إلى ترسيخ مدنيتها، وحرية الفرد ‏فيها، والخروج من سطوة علماء الدين أو أي وصايات ‏باسم المذهب أو القبيلة أو العائلة. ولذا، على أي فقيه يربد ‏أن يكون مرجعاً دينياً أن يدرك أن السمع والطاعة العمياء ‏لم تعد موجودة، وأن من يؤدون فروض الولاء هم اليوم ‏في تناقص، وأن الجيل الجديد، هو جيل السؤال والبحث ‏والتحرر والخروج عن طوق الطائفة والجماعة، ‏والاندماج في خطاب إنساني كوني، يؤمن بقيم عالمية قد ‏تكون غريبة على "الفقيه" أو مناقضة لما يؤمن به... فهل ‏هذا النوع من المجتهدين متوافر اليوم، أم أنهم لم يحن ‏زمنهم بعد!‏

* نقلا عن "النهار"

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط