بايدن - إيران.. الامتثال لا يفيد
تبدو إيران وكأنها تتلاعب بإدارة بايدن الجديدة وتتعامل معها بوصفها قصبة تحركها الريح على أمل أن لا تجد واشنطن طريقا سوى الامتثال لرغبات طهران تلك التي باتت تفتح جبهات القلاقل على واشنطن وبقية المنطقة بشكل مؤكد يبدأ من الإرهاب في إثيوبيا ويمتد عبر مسيرات الحوثي تجاه المملكة ويصل إلى صواريخ أربيل والرسائل التي حملتها.
يعن لنا أن نتساءل هل أغفلت عيون وآذان الولايات المتحدة الأميركية التي ترصد دبيب النمل حول العالم ما صرح به رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قليباف من أن إيران تضع الولايات المتحدة أمام خيار ما يجب أن تفعله لكنها هي نفسها مستعدة لأي سيناريو.
في الأسابيع القليلة الماضية صعدت إيران الرهان إلى مدى بعيد جرى ذلك عبر رفعها نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 20% وتسريع العمل عبر أجهزة طرد مركزية حديثة في مفاعل فورود الكائن في قلب الجبال وأسفلها ليكون الوصول إليه صعبا بل مستحيلا.
عطفا على ذلك أعلنت إيران عن تجميعها لأكثر من 2400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب أي ما يقرب من ضعف الكمية المسموح بها في "خطة العمل الشاملة المشتركة"، والمعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني.
تدفع حكومة الملالي إدارة بايدن في طريق الامتثال لرغبتها والمتمثلة في رفع العقوبات الأميركية التي فرضها دونالد ترمب مرة واحدة مقابل التزام إيران ببنود الاتفاق النووي سيئ الذكر.
ما الذي تريده طهران بالفعل وبعيدا عن مناوراتها ومرواغاتها التي لا تتوقف؟
الشاهد أن الباحث المحقق والمدقق في الشأن الإيراني يدرك تمام الإدراك أن طهران تعمل بطريقة تسويف الوقت بل وتبرع فيها وتستغل قدراتها التاريخية في إلهاء الخصوم في قضايا فرعية.
هنا يمكن القطع بأن أهداف إيران الاستراتيجية لا تغيب عن أعينها وفي المقدمة منها الحصول على سلاح نووي يجعل منها الند والنظير لقوة إقليمية أخرى في المنطقة واضحة أمام أبصار القارئ، وفي الأثناء فإنها تلتف حول التضاريس التي تعيق تقدمها ومنها نازلة ترمب وإلغاءه الاتفاق والذي استتبعه بعقوبات اقتصادية، كلفت الاقتصاد الإيراني قرابة 100 مليار دولار خلال الأعوام الأربعة المنصرمة.
هدف إيران الرئيس هو دفع إدارة بايدن إلى رفع تلك العقوبات ومن ثم الدخول في حلقات مفرغة جديدة من المفاوضات حول تفاصيل البرنامج النووي في حين يدرك القاصي والداني أن كل يوم يمضي تعزز فيه إيران من قدرات برنامجها، الأمر الذي يجعل مسألة العودة إلى الوراء مكلفة للغاية وبما يتجاوز قدرات النظام في عيون شعبه.
ينصح دنيس روس الدبلوماسي الأميركي الشهير والمساعد الخاص السابق للرئيس أوباما في قراءة أخيرة له إدارة الرئيس بايدن بأن لا تتسرع في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لنزع فتيل التوترات.
يفهم من طرح روس أن الإيرانيين ماضون قدما في زعزعة الاستقرار الإقليمي من جهة والعالمي من ناحية أخرى، ويقترح في الوقت عينه فكرة اتفاق قائم على مبدأ "أقل مقابل أقل"، أي أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات بدرجات محدودة بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالفة للاتفاق النووي.. ماذا يعني ذلك؟
هنا وعلى سبيل المثال يمكن أن تسمح واشنطن لطهران بالوصول إلى بعض حساباتها المجمدة في الخارج مقابل وقف عمليات التخصيب إلى نسبة 20% وتقليص مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب من أكثر من 2400 إلى 1000 كيلوغرام وتفكيك أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها.. هل يمكن أن يكون هذا الحديث أداة لكبح جموح إيران النووي؟
حكما لا يمكن أن يكون ذلك كذلك وفي خلفية الجواب تجربة ما حدث في 2015 حيث أفرجت إدارة باراك أوباما على نحو 150 مليار دولار من أرصدة طهران تم استغلالها في تعزيز سعي إيران النووي من جهة والصاروخي من جهة ثانية وتفعيل الدور الإيراني المثير للاضطرابات خاصة عبر تمويل أذرعه ووكلاء حربه في الشرق الأوسط وإفريقيا والامتداد الإرهابي إلى ما وراء البحار أوربيا وأميركيا.
يبرع الملالي في التلاعب بالعم بايدن والذي لا يبدو أن لديه رؤية موحدة أو خارطة طريق بعينها للتعاطي مع إيران والدليل على صدقية ما نقول به قصة الفتوى الإيرانية المتغيرة من التحريم النهائي لحيازة سلاح نووي في عام 2003 وصولا لتصريحات أمير موسوي العميد السابق في الحرس الثوري الإسلامي والذي أشار مؤخرا في مداخلة تلفزيونية إلى أن "أي فتوى ليست دائمة وفقا للفقه الشيعي الجعفري، فالفتوى تصدر حسب تطور الظروف لذا أعتقد أنه إذا تصرف الأميركيون والصهاينة بشكل خطير فقد يتم تغيير الفتوى".
باختصار غير مخل تبدو إيران اليوم وكأنها وضعت وجه أميركا إلى الحائط، وقديما قالوا من آمن العقاب أساء الأدب فهل يفيد الامتثال الأميركي لشروط إيران؟
الجواب لدى إدارة بايدن وغدا ناظره قريب.