الغرب وإسقاط جنسيات الإرهابيين

إميل أمين
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

باتت إشكالية مكافحة الإرهاب، من أخطر وأعقد القضايا التي تقابل مختلف دول العالم، لاسيما بعد أن أضحت هناك رعاية دولية لبعض الجماعات الإرهابية، بمعنى أن تلك المجموعات، وطبيعتها دائما أصولية، تستخدم كمطية في إطار تنفيذ رؤى وأجندات تخدم الأهداف الاستراتيجية لقوى إقليمية ودولية، لا تكاد تغيب عن العين، أهداف تلحق الضرر الجسيم بالدولة المحلية ومواطنيها ومستقبلها على كافة الأصعدة.

ولعله من المثير والخطير كذلك، أن عملية استقطاب الإرهابيين، لم تعد قاصرة على أبناء الوطن، أي وطن، لاسيما بعد أن رأينا خلال السنوات القليلة، والتي نشأ وارتقى فيها تنظيم داعش، استقطابا غير مسبوق، عبر العالم الافتراضي، والأجواء السيبرانية، لشباب من مشارق الأرض ليتم تجنيدهم في مغاربها، والعكس.

مادة اعلانية

ولعل السؤال المطروح الآن على ساحة النقاش: "ما هي الأدوات والآليات التي تمكن الدول من مجابهة هذا الإنتشار الإرهابي الكارثي؟

يبدو من الواضح جدا، أن هناك توجها دوليا لإسقاط الجنسية عن أي وكل من يثبت تورطه في عمل إرهابي، سواء داخل الدولة، أو خارج ترابها الإقليمي.

والثابت أن قضية المرأة الداعشية التي تحمل الجنسيتين النيوزيلاندية والأسترالية، كانت وراء تفجير قضية إسقاط الجنسيات عن الإرهابيين، وبخاصة بعد التشارع والتصارع الذي جرت به المقادير، بين رئيسة الحكومة النيوزيلاندية، والتي وجهت اتهامات للجانب الأسترالي، بعدما أسقطت حكومة الطرف الأخير الجنسية عن تلك الإرهابية.

تقول رئيسة وزراء نيوزيلاندا، جاسيندا أرديرن، في دفوعها، إنه من الخطأ أن تتحمل نيوزيلاندا المسؤولية عن حالة تتعلق بامرأة لم تعش في نيوزيلاندا منذ أن كانت في السادسة، وتقيم في أستراليا منذ ذلك الوقت وعائلتها تعيش هناك، وتوجهت إلى سوريا من أستراليا بجوازها الأسترالي.

تلفت قصة الداعشية إلى خطورة العالم الحديث، حيث لا حدود ولا سدود، تمنع من التواصل الفكري، بعدما تحولت وسائط التواصل الاجتماعي، ومناطق الإنترنت المظلم أو السوداء، إلى ساحات جاذبة للإرهاب والإرهابيين، ومع سهولة التنقل عبر جنسيات ذات حيثية، تحول المشهد الدولي إلى قلق في النهار، وأرق في الليل.

في هذا السياق اتفق العديد من الدول على إسقاط جنسية المتهمين بدعم الإرهاب، ما دعا إلى انطلاق أصوات أبوكريفية منحولة، لا سيما من قبل أولئك الذين يتشدقون صباح مساء كل يوم بفكرة حقوق الإنسان، والذين لم يتوقفوا قليلا أو كثيرا، عند حقوق المواطن الذي تنتهك آدميته من جراء تلك الجماعات المارقة، والموت الذي تنشره على الطرقات، ولم تراع حق الوطن والمواطنين في العيش الآمن، ومن غير مخاوف وتهديدات.

طفا على السطح تساؤل جذري: "هل يحق إسقاط الجنسية بسبب علاقة شخص ما بالإرهاب؟

الحقيقة التي لا مراء فيها أن الجنسية والمواطنة، هي عقد اجتماعي، بين الشخص وبين الدولة ككيان يجمع البشر، فيه يصون الأول حقوق الثانية، في مقابل أن تكفل له خدماته الحياتية، وفي صدارتها التأمين من الخوف.

وفي مقدمة ما يتوجب على المواطن صونه، أمن وأمان بلاده، وزوده عنها في السلم والحرب، ورد الكائدين، أما وأن يتحول إلى خنجر في خاصرتها، فمعنى هذا أنه تخلى طوعا عن الالتزام القانوني والأخلاقي الواجب عليه، وساعتها يحق للدولة أن تسقط عنه الجنسية التي يحملها، فقد صار فيروسا ضارا، يتسبب في ضعف مناعة الأمة.

من هذا المنطلق اعتبر كثير من البلدان، عملية إسقاط الجنسية عن المتهمين بالإرهاب، عملية قانونية سديدة، وبخاصة في ظل نص الدساتير على الولاء للوطن، وعدم الانضمام إلى منظمات متطرفة، أو القتال إلى جانب حكومات أو دول ضد البلد الأم، أو الذي يحمل جنسيته.

هل هناك بالفعل أمثلة عن سحب الجنسية من إرهابيين حول العالم؟
بكل تأكيد وتحديد ذلك كذلك، ففي بلجيكا على سبيل المثال، قرر القضاء المحلي سحب الجنسية من أي شخص يصدر ضده حكم بالسجن لمدة تزيد عن خمس سنوات، في قضية متعلقة بالإرهاب.

والشاهد أنه لم تكن بلجيكا فحسب من فعل ذلك، ذلك أنه ومنذ العام 2010 قامت بريطانيا وحدها بإلغاء جنسية نحو 150 شخصا.

هنا أيضا يمكن الإشارة إلى دول أوربية عديدة تبعتها مثل فرنسا، والتي قدمت الحكومة فيها في مطلع عام 2016 مقترحا ينص على سحب جواز السفر الفرنسي من الأشخاص المرتبطين بتنظيمات إرهابية، مع ترحيلهم من الأراضي الفرنسية.

أدركت دول الغرب أن إسقاط الجنسيات عن خونة الأرض، طريق وآلية، يساعدان في تحجيم وتلجيم الإرهاب السادر في غيه، فعلى سبيل المثال، أقرت دول مثل ألمانيا وكندا، هولندا وسويسرا، بدءا من سنة 2015، سلسلة إجراءات وقوانين تفتح الباب أمام سحب جنسة رعايها المنضمين إلى تنظيمات إرهابية لقطع الطريق أمام عودتهم إلى بلدانهم، وقد نزعت هولندا بالفعل جنسيتها عن سبعة أشخاص حتى نهاية عام 2017.

لم تكن الإجراءات المتقدمة حكرا على دول الغرب، فقد سعت دول عربية في السياق نفسه مثل دولة الجزائر، ففي الرابع من مارس آذار الجاري، أعلنت أنها بصدد إعداد مشروع قانون يجيز نزع الجنسية من المواطنين الذين يرتكبون في الخارج "أفعالا تلحق ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس الوحدة الوطنية "، أو يتعاملون مع " دول معادية "، أو ينخرطون في نشاط إرهابي، كما أن هذا الإجراء يطبق أيضا على الشخص الذي ينشط أو ينخرط في منظمة إرهابية، أو يقوم بتمويلها أو تمجيدها، كما يطبق على كل من تعامل مع دولة معادية.

ما الذي يعنيه ما تقدم؟

باختصار غير مخل، لقد أدركت الدول الغربية، وأوربا في مقدمها، أنه لا يجب أن ترتعش يداها وهي تواجه الإرهاب، وقد أدركت أن الأغلبية الغالبة من مواطني بلدانها يدعمون إجراءات الأمن والأمان، وبالضد من الشعارات الحقوقية الجوفاء.

أمن الوطن والمواطنين، مقدم على أي حقوق لأشخاص لم يقدروا كرامة التراب الوطني وصالحه، في الحال والاستقبال.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط