ما الخطوة التّالية بعد لقاء البابا فرنسيس والمرجع السيستاتي

حسن المصطفى
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

أثناء تواصلي مع شخصية عراقية على علاقة مباشرة بملف زيارة البابا فرنسيس للعراق والترتيبات التي سبقتها، جرى الحديث عن اللقاء بين البابا والمرجع الديني السيد علي السيستاني. وهو لقاء تاريخي، برغم أنه لا يمكن اعتباره ترياقاً للمشكلات العويصة التي يعاني منها العراق، فلا السيد السيستاني ولا البابا فرنسيس يمتلكان حلولاً سحرية لمشكلات الإرهاب والعنف والفساد وانفلات السلاح وسوء الإدارة؛ وجُل ما يمكن أن يقدماه هو توفير غطاء روحي، ديني، وثقافي، يدعم الجهود الإصلاحية لحكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، والتي تحظى بتأييد رئيس الجمهورية برهم صالح، وأيضاً عواصم خليجية ترى أن لدى حكومة الكاظمي العزم على بناء دولة مدنية قوية، مستقرة، تساهم في الأمن الإقليمي، ولا تشكل تهديداً لجيرانها.

ضمن الحديث الذي دار بيني وبين الشخصية العراقية، كانت ثمة أمنية، أملَ صاحبنا لو كان بالإمكان تحقيقها، لولا ضيق الوقت، والوضع الصحي العالمي نتيجة وباء كورونا، وهي أن يكون لقاء البابا فرنسيس آية الله السيستاني، مقروناً بمشاركة مرجعيات روحية إسلامية من خارج العراق مثل شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، ورئيس "مجلس الإفتاء الشرعي" في الإمارات الشيخ عبد الله بن بيه، لما يمثلانه من مكانة علمية وروحية، وما يمتلكانه من رؤية متّزنة تجاه حوادث المنطقة، وإيمانهما بالسلم والحوار، ونبذهما العنف والطائفية.

مادة اعلانية

إضافة للطيب وبن بيه، كان المقترح أن تشمل الدعوة الأمين العام لـ"رابطة العالم الإسلامي"، د. محمد العيسى، وشخصيات مدنية نشطة في الحوار بين الأديان، مثل الأمين العام المؤسس لـ"مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات" فيصل بن معمر، والأمين العام لـ"اللجنة الوطنية للحوار الإسلامي - المسيحي" في لبنان محمد السماك. ومن داخل العراق، تتم دعوة مختلف المكوّنات الدينية والمذهبية، في مؤتمر عام، يكون بمثابة "قمة روحية"، تدعو الى وقف العنف والاقتتال الطائفي، وترسخ قيم العدالة والمساواة والمواطنة وتعاضد البشرية.

الفكرة أعلاه التي تداولتها مع الصديق العراقي، تنم عن تفكير جاد في الخطوة التالية لما بعد الزيارة، وما بعد لقاء البابا فرنسيس والسيد السيستاني، لأن بناء أرضية عمل مشتركة، لمشاريع تتصف بالديمومة، وإن بدأت صغيرة، لهو أمر مهم، كي لا تكون الزيارة مجرد إعلان حسن نيات وصور تذكارية وحسب.

وزيرة الثقافة والشباب الإماراتية نورة الكعبي، نشرت مقالةً في صحيفة "الشرق الأوسط" بعنوان "روح جديدة تسري في الموصل"، جاء فيه: "في الموصل أخذت تسري روح جديدة، مغايرة تماماً لتلك الروح السوداء التي حاول تنظيم "داعش" زرعها في نفوس شباب المدينة وعقولهم، فاليوم نرى المسيحيين يساهمون في إعادة إعمار مسجد النوري ومنارته الحدباء، فيما يساهم المسلمون في ترميم وإعمار كنيستي الطاهرة والساعة"، وهي بذلك تشير إلى المشروع الذي يتم بتعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة، واليونسكو، والحكومة العراقية، ويمثل نموذجاً لما يمكن أن ينجز من أعمال تساهم في تعزيز الأمن، وترسيخ التعددية الثقافية، وتجاوز الهويات المذهبية والدينية الضيقة، وترميم ما أحدثه الإرهاب من دمار.

مبادرة "روح إحياء الموصل"، التي أشارت اليها الكعبي، تعطي دليلاً على أن العمل الجماعي بالمقدور أن يتحقق، وينجح، وأن الأهم أن تكون هنالك عزيمة ورؤية، وأن يبدأ العمل، ولا يتم التذرع بالعوائق التي لن تنتهي!

هنالك أجواء ترحيب كبيرة بالزيارة البابوية للعراق، من قيادات سياسية ودينية ومؤسسات عدة.

ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، غرّد في "تويتر" قائلاً: "أهنئ العراق الشقيق بنجاح زيارة قداسة البابا فرنسيس، وأحيي مبادرة قداسته الطيبة.. لدعم أواصر الأخوّة الإنسانية في بلاد الرافدين والمنطقة.. وأتمنى أن تكون زيارته فاتحة خير ومحبة وسلام للشعب العراقي والعالم".

كما أن شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي د. محمد العيسى، و"مجلس حكماء المسلمين"، ود. رضوان السيد.. وسواهم، عبّروا عن دعمهم زيارة البابا فرنسيس في ما يشبه "إجماعاً بين المعتدلين" العرب على دعم جهود السلام ضد أصوات التطرف والكراهية.

رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، قال: "في مناسبة اللقاء التاريخي بين قطبي السلام والتسامح، سماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، وقداسة البابا فرنسيس، ولقاء الأديان في مدينة أور التاريخية، نعلن عن تسمية يوم السادس من آذار من كل عام، يوماً وطنياً للتسامح والتعايش في العراق". وهو اليوم الذي سيشهد في الأعوام المقبلة فعاليات ومشاريع، تساهم في تحقيق الأهداف التي من أجلها تم إقراره يوماً لـ"التسامح والتعايش".

إذاً، من أين تكون البداية؟

تعزيز التواصل بين مرجعية النجف، والأزهر، و"مجلس حكماء المسلمين" و"منتدى تعزيز السلم" و"مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز للحوار العالمي" و"رابطة العالم الإسلامي"، يمكن أن يشكل البداية. فهناك تواصل وإن كان محدوداً بين أفراد في هذه المؤسسات، وهو التعاون الذي يجب أن تزداد وتيرته، ويؤسس له بشكل يكفل استمراريته، وفق أهداف وخطط محددة، وليس مجرد لقاءات مجاملات لا تثمر شيئاً. لأن المأمول هو العمل على تجديد الخطاب الديني، وجعله أكثر أنسنة وتواصلية، وقدرة على الاندماج مع تطورات العصر والحداثة، بعيداً عن التحجر والانعزالية.

المواطنون في الشرق الأوسط بعامة، وفي الخليج بخاصة، ذاقوا ذرعاً بالخطابات الدينية المتشددة، وباتت الأصوليات بمختلف مذاهبها، تقضّ مضاجعهم، لأنها قادتهم الى الكراهية وقتل بعضهم بعضاً، بسبب فتاوى التكفير، وتحريض "دعاة النار"، وهم يودون أن تتراجع حدة التوترات الدينية، كي يعيشوا في أجواء صحية، وينشغلوا بالتنمية والتحديث وبناء المستقبل الآمن لهم ولأبنائهم.

*نقلاً عن صحيفة "النهار"

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط