إيران.. الصبر الاستراتيجي أم الصمت المريب؟
كيف يمكن للمراقب المحقق والمدقق أن يقيم المشهد الأميركي من إيران، لا سيما في ظل الشعارات التي ترفعها واشنطن عن صبرها الاستراتيجي الذي كاد أن ينفد، فيما يرى البعض الآخر أن الصمت أمام أفعال إيران وحلفائها، أو بمعنى أدق وكلائها في المنطقة، يدفع للقطع بأن المشهد تشوبه الريبة؟
باندفاع غير بريء ومن الأيام الأولى لإدارة بايدن رفعت عن الحوثيين وصمة الإرهاب التي دمغتها بها إدارة دونالد ترمب، وبدا وكأن بايدن وفريقه قد قدموا مهرا غاليا وعاليا لطهران، علها ترتدع أو تقوم أمرها، غير أن الأوامر الصادرة من الملالي إلى أذرعهم لم تكف يد الأذى عبر المسيرات والصواريخ تجاه قواعد أميركا وحلفائها من دول المنطقة.
نهار الاثنين الماضي، انطلقت صواريخ الحوثي الباليستية الإيرانية الصنع والإدارة، تجاه مدينة خميس مشيط في المملكة العربية السعودية، أطلقت من مدينة صنعاء، في انتهاك واضح وفاضح للقانون الدولي الإنساني واستهداف المدنيين.
لم تكن تلك هي المحاولة الأولى مؤخرا، فقد أصبح المشهد شبه يومي، وقد أشار المتحدث باسم التحالف العربي في اليمن العميد تركي المالكي الشهر الماضي إلى أن الدفاعات السعودية تمكنت من اعتراض وتدمير 526 طائرة من دون طيار، و346 صاروخا باليستيا أطلقتها الميليشيا الحوثية باتجاه المملكة.
يمكن للمرء أن يتفهم محاولات الميليشيات المدعومة من طهران، والتي صعدت من هجماتها في الفترة الأخيرة، ضمن سياق روح الانتقام للخسائر التي تتكبدها في عدد من المناطق اليمينة بوجه الجيش.
لكن ما لا يمكن فهمه عقلا أو عدلا، هو الموقف الأميركي، الذي ما برح منطقة التصريحات الكلامية، حول صبر أميركا الذي يكاد يفرغ، فيما المثير والعجيب، أنه كلما طال أمد ذلك الصبر، استمرأت طهران الوضع، وكالت الضربات للقواعد الأميركية في العراق بنوع خاص، وقد كان آخرها الصواريخ السبعة التي سقطت على قاعدة بلد الجوية شمالي العاصمة العراقية بغداد، وهي عينها التي قصفت في فبراير شباط الماضي بأربعة صواريخ.
هل يمكننا أن نسائل أيا من رجالات الاستراتيجية الأميركية عن المعنى الخفي للصبر الاستراتيجي الأميركي، لا سيما حين يستعرض الحرس الثوري الإيراني قبل يومين، قاعدة جديدة للصواريخ التابعة لقواته البحرية، بحضور القائد العام للحرس اللواء حسين سلامي، وقائد القوات البحرية التابعة للحرس اللواء علي رضا تنكسيري، وعدد من القاعدة العسكريين؟
الصبر الاستراتيجي الأميركي غير مفهوم في أفضل الأحوال، ويدعو لفتح التفسيرات التآمرية بشكل واسع، فحين تستعرض إيران أشكالا وصنوفا من الصواريخ الباليستية، وصواريخ كروز، في منشأة عسكرية إيرانية خفية عن الأعين، وتقع تحت الأرض يصبح هناك خلل كبير في فهم أبعاد العلاقة بين واشنطن وطهران، ومن باتت له اليد العليا في المفاوضات الجارية بين الطرفين.
مواقف الولايات المتحدة من وكلاء إيران بدورها تستدعي تساؤلات تحوم من حولها الشكوك، وتكاد تقودنا إلى وجود حالة من الانبطاح أمام جماعات إرهابية بالفعل من عينة الحوثي.
في السادس والعشرين من فبراير شباط الماضي، حملت وكالات الأنباء العالمية أخبارا عن لقاء جرى في سلطنة عمان، جمع بين المبعوث الأميركي إلى اليمن ليندر كينغ، مع كبير مفاوضي الحوثي محمد عبد السلام، ومع أن أيا من الطرفين لم يعلن عن هذه المحادثات، إلا أن ما تسرب عنها يفيد بأن الجانب الأميركي ضغط على الحوثيين في مسقط، لوقف الهجوم على مأرب، وشجعهم على الانخراط في محادثات الرياض بشأن وقف إطلاق النار، إلا أن النتيجة الأولية والمباشرة، تمثلت في محاولتي استهداف لميناء راس التنورة، ومرافق شركة أرامكو في الظهران.
غاب عن واشنطن أن الهجومين في واقع الأمر لم يكونا وبالدرجة الأولى يستهدفان أمن المملكة العربية السعودية، ومقدراتها الاقتصادية، وإنما يستهدفان عصب الاقتصاد العالمي، وإمداداته النفطية، وكذلك أمن الطاقة العالمي.
لم توفر جماعة الحوثي الإرهابية مسؤوليتها عن الحادث، فقد أعلن المتحدث باسم ميليشيا الحوثي، يحيى سريع، عن استهداف شركة أرامكو، وأهداف عسكرية أخرى في منطقة الدمام، في إطار ما سماها عملية توازن الردع السادسة.
ترى ماذا كان رد الخارجية الأميركية، والتي لا تزال تصرح بأن أمن المملكة أمر يهمها، وأنها ستدافع عنها ضد أي اعتداءات غادرة؟
لم يتجاوز الرد سوى إعراب الوزارة عن قلقها من استمرار تلك الهجمات، معتبرة أنها لا تعكس تصرفات مجموعة جادة في السلام.
هذا هو سقف الإجراء الأميركي، تجاه صواريخ باليستية إيرانية تنطلق بقرار من الضابط في فيلق القدس حسن ايرلو، والذي يدير المشهد الإرهابي في اليمن، والعهدة هنا على وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني.
والشاهد أنه أفضل ما عمد إليه التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، هو تلك العملية العسكرية النوعية عبر الضربات الجوية التي استهدفت القدرات الحوثية بالعاصمة صنعاء وعددا من المحافظات.
العملية النوعية تتوافق مع القانون الدولي والإنساني، وقواعده العرفية في الدفاع عن الذات في مواجهة الاعتداءات المباشرة التي تواجهها الأوطان.
لا مكان لا للصبر الاستراتيجي، ولا للصمت المريب، في شأن الدفاع عن السيادة والرد على ترويع الآمنين في الحال أو الأستقبال.