البابا واحتجاجات تشرين!

مهند البراك
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

إثر تراكم أحداث متنوعة صعدت أور الى لائحة التراث العالمي أواخر القرن الماضي، الأمر الذي ادىّ بالبابا الفقيد يوحنا بولس الثاني أن يعلن عن برنامج لزيارة العراق و زيارة أور و ترسيمها كمنبع الديانات الإبراهيمية في العالم عام 2000، داعياً الى حوار الديانات فيها . . الاّ أن ظروف الحصار الدولي على البلاد و منع السفر اليها أدّت الى تأجيل الزيارة و الى إلغائها رغم بقائها على جدول النشاط البابوي منذ ذاك.

و الآن و منذ أن أشارت وكالات الأنباء و الصحف العالمية عن عزم البابا فرانسيس زيارة أور و إنجاز البرنامج البابوي بلقاء الديانات الإبراهيمية، الذي تطور الى خطوة عالمية كبرى باللقاء مع المرجع الديني الأعلى لشيعة العالم الإسلامي السيد علي السيستاني الذي شكّل نقلة كبيرة و على مستوى أعلى على طريق لقاء الأديان.

مادة اعلانية

و رغم الصعوبات الكبيرة التي تمرّ بها البلاد أمنياً إثر تصاعد أعمال المنظمات الإرهابية من داعش و الى مجاميع الكاتيوشا و الميليشيات، إضافة الى جائحة كورونا العالمية، الاّ أن البابا فرانسيس الذي عرف عنه نشاطه المثابر لتجديد برامج و توجهات بابوية الديانة المسيحية الكاثوليكية لصالح مكافحة الفساد و السلوكيات اللاأخلاقية، و لصالح الانحياز أكثر للطبقات و الفئات الفقيرة و المحرومة و أعماله لصالح ضحايا الحروب و اللاجئين بسببها، كما برز دوره قبل سنوات في انقاذهم عبر البحر الأبيض المتوسط حين قُطعت الطرق بالعنف . .

و أمام إصراره على زيارة العراق الذي دمّرته الحروب و النزاعات الدينية و الطائفية التي تسببت بهروب أكثر من مليون من السريان المسيحيين العراقيين و خساراتهم أموالهم و أملاكهم، و تسببت بالسبي الظالم الوحشي لأيزيديي العراق و نسائهم على يد عصابات داعش الإجرامية و غيرها الكثير، حتى صارت أخبار البلاد لاتتعدى أعمال الإرهاب و ضحاياه و صراعات كتله الحاكمة من أجل المصالح الأنانية، إضافة الى أنباء تصديّ شباب اكتوبر السلميين و مواجهاتهم البطولية لأنواع الميليشيات، من أجل حقّهم بوطن آمن و العيش فيه مكفولي الحقوق الأساسية كإنسان، في العمل و السكن و الصحة و التعليم . .

زار البابا فرانسيس العراق بصفته ( حاجاً طالباً الغفران ) على حد تعبيره، لإبرازه الأهمية الكبرى للعراق و مكوناته في الحضارة العالمية الى اليوم، في زيارة شكّلت دفعة كبيرة للروح المعنوية للشعب العراقي بكل مكوّناته و سنداً للإخوة المسيحيين و للديانات الثانية، دفعة للروح المعنوية للشعب و هو يعاني من السلاح المنفلت و الفساد و يحلم بالتعايش معاً و السلام و بأهمية التسامح . .

زيارة صعّدت الفرحة في قلوب و عقول العراقيين المتعطشين لها بزيارة شخصية عالمية يتبعها اكثر من مليار و نصف من سكان الأرض، و تتبعها و تتأثّر بها و بأحكامها و آرائها أكثر الدول تقدماً في العالم و أكبر الإتحادات الصناعية فيه . . شخصية مدنيّة كبرى تدعو للسلام و التسامح و الحرية و حقوق البشر . . توقد الشعور بأن العالم لم ينسانا، و أبرزت نضال شباب العراق و مايجري فيه على الشاشات و المواقع الدولية المتنوعة . .

و قد أدان البابا في خطبه و أحاديثه التي مسّت مشاعر العراقيين بأطيافهم و كأنه من أهل العراق، أدان بشدة استخدام الأديان لممارسة العنف، و أدان السلاح المنفلت و الفساد و الى وقف استخدام السلاح في حل الأزمات، و عبّر بثقة عن أن العراق الذي عاش التنوع الديني و الثقافي لآلاف السنين، يشكّل أساساً لإمكانية عودة التعايش فيه بشكل اعتيادي بشرط حماية قانون نافذ قابل للتطبيق بقوة الدولة إنْ أُحكم بناؤها، و حمّل مسؤولي دولته في كل المواقع تلك المسؤولية .

و فيما يرى أوسع المراقبين أن الزيارة أظهرت لأول مرة أور و أهميتها التاريخية و الحضارية للعالم و بكونها تشكّل مركزاً للحج لملايين الحجاج من كل الديانات الإبراهيمية، التي ستشكّل مفصلاً فاعلاً في دعم اقتصاد البلد . . فإن كثيرين يرون بأن دعوات البابا للإصلاح هي عين مطالبات ثوار تشرين السلميين التي صارت حتى الكتل الحاكمة ترفعها في النهار لتمزقها و تلغيها في الليل، الاّ أن الزيارة و بعيداً عن حسابات أمور كثيرة عرّت واقع الحكم في البلاد أكثر ، و تشكّل رافعة جديدة كبيرة للضغط الأممي السلمي على حكّامه الفاسدين، و مناخاً أوسع لتصعيد النضالات من أجل الإصلاح الحقيقي !

* نقلا عن "المدى"

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط