أمة الأناركية وشيطنة الشرطة

مشاري الذايدي
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

هذا الخبر تحت هذا العنوان، حسب صياغة «بي بي سي» البريطانية يقول: «رجال شرطة أميركيون يسخرون من مسنة مصابة بالخرف أثناء اعتقالها».
ثم خبر آخر من نفس المصدر أيضاً نقلاً عن شرطة العاصمة الأميركية واشنطن يكشف أن شبكة أجهزة الحواسيب الخاصة بها تعرضت للاختراق في هجوم إلكتروني. ثم أعلنت مجموعة قراصنة تسمى (بابوك) مسؤوليتها عن الاختراق مهددة بإفشاء أسرار الشرطة التي حصلت عليها وبينها معلومات عن المخبرين السريين في حال لم يجر الاتصال بها خلال 3 أيام، ما لم يدفع لهم المال.
عرضت شبكة (روسيا اليوم) في وقت سابق، فيديو لمسؤولي الشرطة في لوس أنجليس وهم يقومون بالانحناء على ركبهم أمام جموع المتظاهرين للتعبير عن تضامنهم ورفضهم العنصرية. مثل هذه العيّنة من الأخبار السيئة المتعلقة بالشرطة الأميركية، يجب وضعها ضمن سياق أكبر، حتى لو كان اختراق حواسيب الشرطة الأميركية مجرد عملية عصابة عادية، لكن هناك من يرحب بها ويشمت بالشرطة، هذا السياق الذي نعنيه هو «شيطنة» مؤسسة البوليس.
نتذكر هنا الحملة «العالمية» الشعواء ضد منسوبي الشرطة، بعد حادثة وفاة المواطن الأميركي الأسود، جورج فلويد، بعد محاولة السيطرة عليه من رجل شرطة أبيض، لتشتعل الولايات المتحدة بالمظاهرات ويزايد السياسيون بالمطالبات، خلال عهد ترمب، ووصل الحال بعضو كونغرس، إلهان عمر، للمطالبة بما يشبه إلغاء مؤسسة الشرطة وتغييرها جذرياً.
ثمة خلفية تاريخية فكرية سياسية لشيطنة «مؤسسة» الشرطة وكل مؤسسات الدولة، وهو التيار اليساري اللاسلطوي الهدمي، المتعارف عليه بالتيار الأناركي.
اشتهر الأناركيون بتعبئة الجماهير وكتابة الأدبيات المعادية لمؤسسات الدولة، وتمجيد الهجوم «الثوري» حتى العنيف منه، على الشرطة ومقرات الإدارة والحكم، وطبعاً مؤسسات المال والأعمال.
اشتهروا بمشاركتهم في الاحتجاجات ضد اجتماعات منظمة التجارة العالمية، والمنتديات الاقتصادية العالمية، مثل قمم الثماني والعشرين، شاركت بعض الفصائل الأناركية، مثل «إنتيفا» وغيرها، من التيارات الثورية الاشتراكية، بأعمال شغب وتدمير ممتلكات ومواجهات عنيفة ضد الشرطة.
في أميركا نفسها، يحدثنا التاريخ القريب أنه بحلول ثمانينات القرن التاسع عشر اشتهرت الشيوعية النسوية، لوسي بارسونز، في وقتها بالولايات المتحدة مع زميلتها الشيوعية الأناركية، إيما جولدمان، بنقاشات وصفها قسم شرطة شيكاغو حينها بأنها «أكثر خطورة من ألف مشاغب».
الغريب أنه ثمة تيار مشابه، لحدّ ما، لجماعات الفوضى ومعاداة المؤسسة الحكومية، وهم تيارات الخوارج والشيعة، بشتى فرقهم، كل لدوافعه و«لاهوته الثوري»... وفي العصر الحديث لدينا «القاعدة» وأحزاب الله، وما شابه هذه الجماعات.
من صميم أدبيات هذه الجماعات، شيطنة الشرطة وتأثيم مؤسسات الدولة كلها، فهي مؤسسات «الطاغوت». والأكثر غرابة، مما سبق، هو تخادم الأناركية الغربية، اليوم، مع كارهي الدول في عالمنا العربي والإسلامي، اليوم، سياسياً وإعلامياً وتنظيمياً.
دائرة واحدة تبدأ من نقطة، وتنتهي عندها، رغم تباعد البدايات التاريخية وتباين الأمثلة وتخالف القواميس المعجمية...لكن جمرة الغضب وكرة اللهب الحارقة، واحدة.

*نقلاً عن "الشرق الأوسط"

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط