هل نحن في هذا العالم؟
لم يخلُ تاريخ العراق من الحروب والاحتلالات والغزوات عقود وهذا البلد يسير وفق قياسات ومفاهيم غير منطقية ، امبراطوريات تعلو وأخرى تهبط وملكيات تُنشأ وجمهوريات تسيطر،
على هذه الوتيرة والمنوال سار تاريخ العراق إلى أن وصلنا على ما نحن عليه اليوم من أوضاع جعلت من عقل الفرد والمجتمع مرتبكاً مشوشاً تشغله آلاف الأسئلة التي لم يجد لها إجابة على الأقل مقنعة بالرغم من أنه يمتلك جزءاً منها، فالعراق وبالرغم من الإمكانيات التي يمتلكها والتي كان من الممكن أن تجعل منه شاهداً ومثالاً يحتذى به إلا أن قدر له ان يكون في رقعة جغرافية ساهمت في تعزيز الصراعات على أرضه بالإضافة إلى متبنيات حكامه الذين هم تارة قوميون بلا قومية وتارة أخرى إسلاميون بلا دين.
قد لا نبتعد بالتفكير عن أن الصراعات الإقليمية والدولية والمعادلات التي تفرض من هنا وهناك ساهمت في أن يكون العراق مصدراً وساحة للصراع في منطقته، هذا بالإضافة إلى المشاريع التي يتم طرحها في كل مرحلة تحول في العالم وتبدل عناصر ومسميات القوة، التي كان من الضروري أن يمتلك العراق جزءاً منها على أقل تقدير سواء كانت السياسية أو الدبلوماسية أو الاقتصادية أو حتى العسكرية، وبقي هذا البلد رهين تلك التحولات والمعادلات لا لقلة الإمكانيات بل لأنه سار وفق مزاج وسولك حكامه، الذي صب بالنهاية في أن يكون تابعاً لمشروع لا ضمناً ولا قائداً، عندما كان العالم مقسماً بين عالم شيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية وعالم حر بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الغربية كان العراق ضمن الفاعل الثالث ( العالم الثالث)، وبعد انتهاء الحرب الباردة وتبدل الأدوار وقيادة العالم لم يكن العراق ضمن التقسيمات الجديدة إلا رقماً في معادلة المنطقة لا بد من تصحيحه أو حذفه، في هذه المرحلة تم إعادة رسم خارطة التحالفات الإقليمية والدولية وغدا بحثنا عن العراق في هذه الخارطة سنجد أنه قد صُنف من ضمن الدولة المنبوذة والمعزولة عن هذا العالم وهذا أيضاً بسبب سلوك صانع القرار ونزعاته العدوانية.
بعد العام 2003 كان المجتمع العراق يتطلع إلى حياة ودور أكبر في العراق خصوصاً وإن ما كان يتحجج به الغرب والعالم قد رحل ورحلت كل أزماته على أقل تقدير، وكنا جميعاً كعراقيين نتطلع لحاضر ومستقبل أكثر واقعية مما كنا نعيشه، نأمل بالدبلوماسية والسلام والحوار وحرية التعبير وبناء قيم ثقافية جديدة ايضاً بناء ثقة بواقعنا الذي لابد من ان يتغير، لذلك شهد العراق موجات كبيرة من العائدين الحالمين بعراق مختلف عن ذلك البلد الذي لم يعرف سوى الحروب والأزمات والشعارات الي هي بالأساس باتت غير مجدية، لكن ما حدث وبعد سنوات من التغيير أن العراق لا يزال متأثراً بسلوك ومزاج من يحكمه وبتبنياتهم.
مع كل ما حدث من تطور وتحديث في السنوات السابقة والطفرات العلمية والاختراعات والابتكارات العلمية بالإضافة إلى تقدم مستويات التعليم والصحة والتكنولوجيا والعراق لا يزال يبحث بين أطلاله عن مآثر في هذا الجانب أو ذاك، وفي كل مرحلة من مراحل التقدم السياسي والمعطيات الجديدة التي تحتم على صناع القرار أن يكونوا أكثر فاعلية وتفاعل مع الأحداث لم نجد من العراق إلا أن يكون تابعاً لهذا المحور أو ذاك التحالف، أما في المجال الدبلوماسي فالأحداث كثيرة سواء في قضية حدود أو مياه أو أي شيء آخر لغة المال والعمولات هي الحاضرة لا غير، مع كل تقدم اقتصادي شهده العالم وتنافس الشركات وتبدل الصناعات والصراع على الطاقة والاعتمادية المتبادلة والعراق لن نعرف لغاية اللحظة ما هي سياسته الاقتصادية.
بالمجمل لم تتبدل ثقافة المستبد لا بل تم ممارسة ذات الأساليب واستخدام ذات الأدوات وأصبحت ثقافة القائد الضرورة جزءاً لا يتجزأ من ثقافة الأحزاب الحاكمة، ما تبدل هو التوجه وعملية السيطرة على العقل في السابق كانت القومية هي المحرك لجمهور السلطة اليوم الدين هو محرك جمهور الأحزاب وفي الحالتين لا هذا ولا ذاك يقبل النقد والتصحيح وتغيير المسار، هذه كانت عوامل أساسية في جعل العراق في ذيل العالم الثالث أو لنكون أكثر تفاؤلاً في ضمن الأرقام الأخيرة من قائمة هذا العالم، ومن كانوا يطمحون في يوماً أن يكونوا مثل العراق اليوم باتوا يتحدثون عن عبور مراحل قد لا نصلها بعد عشرات السنين، ففي كل مرحلة تمر على هذا العالم سنجد حالنا مصنفين وفق مزاج وسلوك القيم والانساق التي يتبناها صانع القرار أو الحكام، بالنتيجة سيبقى العالم يتغير ويتحول بين تطور وتنمية وسقوط ونهوض وتبقى الدول المؤمنة بقدوم المنقذ تراوح لحين هلاكها.
نقلا عن "المدى"