"الإخوان الانقلابيون" ..أدبيات الجماعة
على مدى تسعة عقود، دائما ما كانت تصف جماعة الإخوان نفسها بأنها «جماعة إصلاحية»، خاصة خلال الفترة التى سبقت ثورة يوليو 1952، أما بعد ذلك فقد وصفت نفسها حتى مطلع الألفية الثالثة، بمصطلح أوسع وأضخم يناسب طبيعة المرحلة، وهو «أكبر حركة معارضة سياسية» فى كثير من الدول العربية وليس مصر فحسب.
لا يعنينا هنا أن نحكم على مستوى « الإصلاح» وجديته وثماره، أو درجة « المعارضة» وما صدق وطنيتها، لكننا نتوقف أمام سؤال مهم ونظرة أشمل للواقع .. ماذا بعد «العزلة» التى تشهدها الجماعة الآن؟!
من المؤكد أن الجماعة تتعرض لأكبر سلسلة من الضربات والصدمات فى تاريخها، منذ الثورة الشعبية ضد مكتب إرشادها ومندوبه فى حكم مصر يوم الثلاثين من يونيو عام 2013.
ومن المؤكد -أيضا أن الجماعة منذ هذا التاريخ، وهى تحاول البقاء، وطرح نفسها دائما، كفصيل سياسى قائم ومنافس، وكل ذلك عكس الحقيقة وعلى غير الواقع. وسط كل هذه التداعيات، لم تنس الجماعة دستورها « الانقلابى » على كل من يتعاون معها، هى أدبيات تربت عليها كوادرها، والكل ينفذ مواد هذا الدستور بكل هدوء، وربما هذا ما كشفت عنه الأيام القليلة الماضية.
الجماعة لم تكن فى يوم من الأيام جماعة دعوية، بل هى جماعة سياسية بالدرجة الأولي، وهو ما يتضح من لغة الخطاب السياسى لمؤسسها حسن البنا بقوله: «أستطيع أن أجهر فى صراحة بأن المسلم لا يتم إسلامه، إلا إذا كان سياسيًا بعيد النظر فى شئون أمته، مهتمًا بها، غيورًا عليها..» (صحيفة الإخوان المسلمون 1938)، وإن على كل جمعية إسلامية أن تضع فى رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السياسية، وإلا كانت تحتاج نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام.
وفى حديث آخر إلى مؤتمر الجماعة فى عيدها العاشر قال البنا: «سننتقل من دعوة الكلام وحسب إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والعمل، وسنتوجه بدعوتنا إلى المسئولين، وسندعوهم إلى مناهجنا ونضع بين أيديهم برنامجنا، فإن أجابوا الدعوة وسلكوا السبيل إلى الغاية، آزرناهم، وإن لجأوا إلى المواربة، وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة، فنحن حرب على كل زعيم، أو رئيس حزب، أو هيئة لا تعمل على نصرة الإسلام، ولا تسير فى الطريق لاستعادة كلمة الإسلام ومجد الإسلام. سنعلنها خصومة لا سلم فيها ولا هوادة، حتى يفتح الله بيننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين».
وفى سبيل الوصول إلى هدفها السياسى ، انقلبت الجماعة على كل من تعاونت معهم، وخانت العهد لمن عاهدتهم، وهى لديها الاستعداد للمزيد والمزيد..
الواقع الذى مرت به مصر منذ يناير 2011 كان أفضل «ممارسة» لكى يرى الكل بعينيه إلى أى شيء يسعى «الإخوان»، وما هو مخططهم فى «القفز والتسلق» على كل القوى السياسية، بهدف الوصول إلى الحكم!
السياسى الكبير الدكتور محمود أباظة دائما ما كان يتحدث عن دور الإخوان فى العملية السياسية خلال حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، ودائما ما كان يردد مقولة: «احنا عارفينهم كويس.. وهما عارفينا»!
قصة مهمة يرويها السياسى الكبير، وهى أن زعيم الوفد فؤاد سراج الدين أدرك خطر الإخوان فى الوقت المناسب، وأن المرحوم إبراهيم شكري، رئيس حزب العمل، جاء إلى سراج الدين وأخذ يعدد المنافع التى ستعود على حزبه بعد تحالفه مع الإخوان، وبعد استئذان شكرى وخروجه من المكان، قال سراج الدين: «إن هذا الرجل سيدمر حزبه بالتحالف مع الإخوان»!..
الجماعة تتعرض لتصدع كبير، يمثل مقدمة حقيقية لانهيار وشيك، بعد سلسلة الضربات التى تلقتها فى عدد كبير من الدول، والتى وضعتها فى « عزلة» غير مسبوقة. الجماعة فى سنوات عمرها الأخير ..هى مسألة وقت ..
* نقلا عن "الأهرام"