أبو الغيط.. وصورة العرب في عيون الغرب
في الجلسة الافتتاحية لفعاليات الملتقى الإعلامي العربي الـ 17، والذي انعقد في الأيام القليلة الماضية، أشار الأمين العام لجامعة الدولة العربية السيد أحمد أبو الغيط إلى الغبن الشديد الذي وقع على العالم العربي وقضاياه الرئيسة من قبل الإعلام العربي طوال العقود الماضية، وقد أعطى مثالا بالتغطيات المغلوطة التي صاحبت القضية الفلسطينية طوال سنوات، والانحياز الواضح لدى العديد من وسائط الإعلام التقليدية لإسرائيل، على حساب عدالة القضية الفلسطينية.
بوضوح وصراحة قال أبو الغيط: "نحن العرب عانينا كثيرا من انحياز الإعلام الغربي للرواية الإسرائيلية التي تصور الطرف المعتدي وكأنه في حالة دفاع دائم عن النفس، وتجعل الفلسطيني المدافع عن أرضه رمزا للإرهاب والعنف".
على أن ذلك الوضع لم يكن قدرا مقدورا في زمن منظور، لا سيما بعد الجولة الصدامية الأخيرة التي جرت في الأرض المحتلة، حيث تغير المشهد بشكل واضح، وبدا أن القضية الفلسطينية تكتسب أرضا جديدة وسمعة مغايرة عما جرت به الوقائع من قبل، فما الذي حدث؟
من الواضح للعيان أن هناك فهما واضحا للذات، ومقدرة عالية على التعامل مع أدوات العصر، وما وصفه السيد أبو الغيط باسم "صحافة الموطن"، التي تعمل على توثيق الحدث ونقله بصورة لحظية إلى ملايين المتابعين حول العالم.
نجح الفلسطينيون هذه المرة في تصدير المشهد الحقيقي لما يجري في القدس بداية من محاولات مستمرة ومستقرة لتهويدها وإفراغها من أصحابها الأصليين، وقد كانت معركة حي الشيخ جراح خير دليل على سياسات الاحتلال المنافية والمجافية للقوانين الدولة، وخاصة تلك التي تلزم المحتل بالحفاظ على الأوضاع الجغرافية والديموغرافية للمدن المحتلة، ومن غير أي تغيير يطال تركيبتها التاريخية.
لم ينجح الفلسطينيون فقط في الاختبار الإعلامي هذه المرة، إذ أوفى الحظ للعديد من وسائل الإعلام العربية التي نقلت حقيقة الصورة، وجوهر المعركة، إلى الدوائر الغربية، وقد أجادت في طرح القضية من جانبها الإنساني، لشعب يبحث عن حقه في الحياة والحرية، في الكرامة والعيش الإنساني، ومن غير تضييق الصورة في صراع عقدي لا يفهمه الغرب العلماني.
يعن لنا أن نتساءل: "هل أخيرا اكتشف العرب أن هناك إدارة كارثية جرت بها الأحداث لملف الإعلام طوال عقود، وبخاصة في التعاطي مع الدوائر الأوربية والأميركية؟".
من غير مداراة أو مواراة، يمكن القطع بأن ذلك كذلك، فقد كانت معاركنا مع طواحين الهواء، لا تفيد، ولم تراكم آية نجاحات، بل خلفت وراءها هزائم، قادها أصحاب الرايات الفاقعة والأصوات الزاعقة، وصدق القول إن أعدل قضية بات يمثلها أسوأ محامٍ.
لم يكن هناك اهتمام جذري بمد الجسور مع الآخر، ومن هنا حدث الفشل في إيصال حقيقة الصورة، فقد اكتفينا بأحاديث من قبيل، مقاطعة أميركا، والتنديد بالإمبريالية الغربية، ولم يقدر لنا أن ندخل في اشتباك حر إيجابي مع الآخر المختلف معنا، اشتباك يغير الأوضاع ويبدل الطباع، ويكتسب مناصرين، ويختصم من الداعمين للطرف الآخر.
ولعله من صدق الحديث القول بأنه خير للمرء أن يصل متأخرا من أن لا يصل أبدا، وعليه يضحى التساؤل: "ما هو المطلوب في اللحظة الآنية عربيا، لبلورة صورة عربية واقعية في العيون الغربية؟".
الخطوة الأولى الأنفع والأرفع هي الإيمان بالذات من غير تهوين أو تهويل، وبدون أدنى إحساس من صغر الذات، مع القصد الثابت تجاه اختيار أدوات عصرانية في التعاطي مع الآخر.
ولعله من حسن الطالع العربي أن وسائط التواصل الاجتماعي، رغم التضييق الواضح الذي يحدث من خلالها على من يتطلعون لتصدير الصورة على حقيقتها، وليس النمطية الممجوجة، نقول إنه من حسن الحظ أضحت متاحة، ولم تعد التلفزة أو الصحافة هي من يتحكم في أدمغة الرأي العام الغربي، بل أدوات من عينة التويتر، والفيسبوك والإنستغرام، وهذه هي ميكانيزمات العصر الحديث ولاشك.
تبدو مسألة رسم صورة للعربي اليوم في الدوائر الإعلامية التقليدية وغير التقليدية في الغرب مسألة مصيرية، وقد أشرنا أكثر من مرة إلى أنه إن لم نبادر إلى رسم الصورة التي نريدها، فإن هناك من يسعى جاهدا لأن يرسم لنا صورة لا نريدها، وعادة ما ينجح في فعل ذلك، لتصب الخسائر في ميزان مدفوعات العرب والمسلمين إن جاز التعبير.
أحد أفضل العقول العربية التي تناولت قصة صورة العربي في الغرب الأميركي، وعلى شاشة هوليوود، الراحل الكبير العربي الأصل البروفيسور جاك شاهين، والذي بح صوته داعيا أن لا يترك العالم العربي فضاءات هوليوود من غير محاولات جادة لملئها وتصويب مساقاتها وتعديل مساراتها، وهو أمر غير مستحيل.
تبدو نصيحة السيد أبو الغيط حول مواصلة هذا الجهد لنقل الصوت الفلسطيني والعربي إلى العالم الخارجي من أجل كسب الرأي العام الدولي لصالح عدالة القضية، في موقعها وموضعها، وإن بقي السؤال كيف؟
حسنا جدا أن تكون هناك، صحافة المواطن، والجهود الفردية، لكن ذلك لا ينفي الحاجة إلى رؤية عربية جماعية، تقوم عليها جامعة الدول العربية، وقد ملأت المناقشات آلاف الأوراق منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتى الساعة، وقتلت القضية بحثا بهدف التوصل إلى آلية إعلامية ناجعة بمصداقية وشفافية يقبلهما الآخر.
ربما يكون المشروع الإعلامي العربي للتواصل مع الآخر هو أحد أهم مشروعات الأمين العام للجامعة العربية في ولايته الثانية التي استهلها متأخرا، لا سيما أن صاحب هذه السطور يشهد له بصفة شخصية بهمته ونشاطه، عطفا على فهمه التقدمي الواسع لآليات الإعلام في الولايات المتحدة، وخبراته هناك يقر له بها السفراء العرب منذ أن شغل منصب السفير المصري في الأمم المتحدة قبل نحو عقدين.
في زمن الإمبراطورية الرومانية كان من يعطي الخبز، يعطي الشريعة، واليوم من يمتلك ناصية الكلمة مكتوبة ومقروءة ومرئية هو الصنو.. فانظر ماذا ترى.