"عندما تهيمن مصالح الاقليات"
نعيش في عالم يفرض فيه القوي مصالحه وأسلوب حياته وقناعاته على الغالبية، سواء كانت هذه المصالح أو أساليب الحياة منطقية أو لا، فلا يهم.
تغوّلت وتغلغلت وهيمنت جماعات الضغط والمصالح والتأثير في الغرب على منظمات دولية وإعلامية وأكاديمية، لدرجة أصبحت تفرض فيها مصالحها وأسلوبها وقناعاتها على الجميع حتى وإن تعارضت مع مصالح دولها، فهي تمتلك أدوات التأثير والترهيب فلا يجرؤ على مواجهتها أحد.
وفي السنوات الأخيرة تحالفت بعض تيارات المصالح مع بعضها البعض وأصبح لديهم نفوذ وتأثير كالطوفان يزيل من يقف في وجهه، أيًّا كان، وإن كان رئيس أمريكا كما حصل مع دونالد ترامب. وبذلك أرسلوا رسالة لجميع الرؤساء والسياسيين أن هذا مصيرهم إن هم تجرؤوا ووقفوا في وجههم، وكذلك مصير أي أكاديمي أو كاتب أو متخصص يشكك أو يختلف معهم.
هذه التيارات التي يطلق عليها في الغرب مصطلح woke أصبحت تضم حركات متطرفة مثل حياة السود تهم، والمثليين، وجماعات البيئة، والنسويات وغيرهم ممن يدعون مواجهتهم العنصرية والتطرف وانعدام العدالة الاجتماعية ويسعون كما يروّجون لفرض مجتمعات أكثر عدالة وإنصافًا (من وجهة نظرهم)، وهنا تكمن المشكلة، فهم أقليات يحاولون فرض قناعاتهم على المجتمعات والدول كافة.
فكيف ممكن لرئيس أمريكا على سبيل المثال أن يتعامل مع حركات البيئة المتطرفة التي تفرض سياسات بيئية تتعارض مع مصالح أمريكا الاقتصادية وحتى مع حياة المواطن الأمريكي البسيط الذي يحتاج مصادر طاقة دائمة وبتكلفة معقولة! فعندما يرفض الرئيس الأمريكي تبني سياسات بيئية متطرفة يعلم تمامًا أنها ليست في صالح أمريكا وليست في صالح المواطن الأمريكي، يتعرض لهجوم من هذه الحركات، وكذلك الأكاديمي أو المتخصص، فيتم هدم مصداقيتهم وإلغائهم تمامًا عملاً «بثقافة الإلغاء cancel culture»، وهم من يفترض أنهم يحاربون من أجل العدالة للجميع وإذا بهم يحاربون الجميع من أجل قناعات ومصالح أقلية تفرضها على الغالبية وتلغي كل من يتعارض معهم.
فمن يتصدى اليوم لمحاولة فرض أجندة تيارات المثلية الجنسية بتفرعاتها؟ فالبرامج والمسلسلات والأفلام التي تنتج للعرض لا بد أن تحتوي على «تنوع» من وجهة نظرهم لمثليين وعلاقات شاذة لفرضها على المجتمع وقبوله لها، وكذلك في قصص الأطفال والمناهج الدراسية والمحال التجارية ليصبح الأمر بالنسبة للأطفال طبيعيًا، وإن تجرأ طبيب على سبيل المثال أن يتكلم عن الآثار السلبية الخطيرة من وجهة نظر طبية سيتم ممارسة سياسة الإلغاء عليه، وكذلك الحال لبقية الحركات التابعة لمصطلح woke.
لذلك لا بد أن نمتلك أدوات التأثير التي تمكننا من تعديل كفة الميزان والمنطق لحماية مجتمعاتنا وحماية «الغالبية» من هدم ثقافتها ومؤسساتها، لا عن طريق إلغاء الآخر ولا محاربته كما يفعلون، بل عن طريق تعزيز ثقافة ومصالح مجتمعنا وتعزيز قيم التسامح والاعتدال في بيئة محافظة غير متشددة ولا متطرفة ولا تخضع للترهيب والإلغاء.
مع الاعتراف أن الطريق صعب وطويل وأننا سنضطر لصعود السلم من الأسفل، ولكن لا بد من المشوار ولا بد من الصعود بمجتمعنا ومصالحه، بدل دفنه والقبول بمصالح أقليات لا تتوافق مع مصالحنا ولا مع المنطق ولا الممكن.
نقلا عن "الأيام"