لقاء سمو ولي العهد.. في حوار الانتعاش
قضيت حوالي أربع ساعات من يوم الثلاثاء الماضي الموافق 27 يوليو 2021 في الديوان الأميري، حيث تشرفت بتقديم كتاب «مشاهدات عبدالله بشارة.. بين الخارجية والأمم المتحدة» إلى كل من صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الجابر، أمير الكويت، وإلى سمو الشيخ مشعل الأحمد الجابر، ولي العهد، وكانت مناسبة أتاحت لي الإطلال على خلايا شبابية نشطة في تحركها لتأمين عملها في الديوان، ولقاء الأصدقاء من عاملين ومن مثلي، قادمين بموعد للالتقاء بالقيادة العليا.
جلست مع صاحب السمو الشيخ نواف مستذكرين مآثر قيادات الوطن، ومتطرقين إلى سجل آخرهم المغفور له الشيخ صباح الأحمد، الذي كان لي – حسن البخت- بالعمل معه منذ بداية عام 1964 حتى ذهابه إلى الولايات المتحدة في آخر رحلة علاج، ودونت الكثير من مشاهد الانجازات في ذلك الكتاب الذي قدمت نسخة منه إلى مقام كل من صاحب السمو الأمير وسمو ولي العهد، كما أشرت في مطلع المقال.
فبعد عبارات التقدير والثناء لسمو الأمير لاستقباله لي بعد عودته من زيارة علاجية خارجية، غمرني بتأكيده على ترحيبه بأبناء الكويت مقدراً حرصه على هذه اللقاءات، توجهت بعدها إلى مكتب ولي العهد، حيث كان الحديث ممتعاً بعد أن أشرت إلى الملامح العامة للكتاب.
جلست أستمع في حوار مفتوح إلى ما يمكن تسميته خطوط العمل لتحقيق الأمل لسموه وجميع هذه الخطوط تعبر عن طموح الانجاز الذي يشغله..
كان واضحاً أن تطوير منظومة التعليم من الأولويات التي تشغله، وبتغييرات جوهرية تمس التقسيمات الحالية، وتعالج نواقصها بالحقن الحاملة للانفتاح العصري على المنابع التي تحتاجها الكويت في الفصل القادم، بالتركيز على العلوم والتكنولوجيا وتحفيز المهارات والتحريض على المبادرات، وما شدني في هذا المسار هو نغمة الجدية في التنفيذ.
ونصل في مسار الرحلة إلى الاستثمار فيعبر سموه عن تصورات تفتح الساحة للقطاع الخاص، وتشجيعه لبناء مؤسسات تساهم فيها التأمينات الاجتماعية ممثلة للمتقاعدين مع اتفاق بتوزيعات سنوية من عائد هذه المجمعات لصالح المتقاعدين.
كان سموه سعيداً بما حققته استثمارات التأمينات من أرباح تفوق المتوقع، مشيداً بالقيادة الشابة التي سلكت الطريق الواعد في استثماراتها، والواضح أن هناك شبه خطة لهيكلة جديدة للمؤسسات التي تدير استثمارات الدولة، وضرورة مشاركة أهل الخبرة والمعرفة تخطياً لاختيارات كانت تتم عبر الصداقات والتثقيفات وحبال الترابط العائلي.
ويلتفت إلى مهمة غرس الحيوية في الجهاز الإداري لكي ينهض بالحمولة القادمة التي تستوعب الكفاءة والمهنية والمعرفة، ويشير إلى الإسراف مؤكداً حتمية النظر في أسلوب الصرف وإغلاق المصبات التي أصبحت رمزاً للهدر، والتسليم فقط لأحكام الضرورة.
فتح سمو الشيخ مشعل، في حديثنا، ملف الفساد، متعهداً بأن من يثبت عليه ممارسة الفساد ستطبق عليه الإجراءات مهما كان مركزه ومهما كانت وسيلته ومبرراته، مع التأكيد على مخاطر ملاحقة الناس بالتهم دون دليل قاطع، وعلى إفرازاتها على وحدة المجتمع، ولذلك على من يتهم أن يكون محصناً بالأدلة حتى لا تعم الفوضوية في المصداقيات.
وأثرت من جانبي الخطر الكامن من استمرارية تزوير الجنسية وتواجد مرتكبيها في إدارة الدولة، فشعرت عندها بأنني أتحدث مع رجل واع لمعاني التزوير ومخاطره وهول الجريمة في جوانبها الأمنية والاجتماعية والسياسية وأثقالها على المحتوى الوطني وسلامته، فتحدث بإسهاب عن أمن الوطن وعن أمانة المواطن، وثقته التامة في أبناء الكويت ومهما كانت الوقائع التي انكشفت فإن التصميم على محاصرتها ثم كشفها تشكل أول مأموريات القيادة، كما تحدث عن ملف المزدوجين، مجدداً روح التصميم على التعامل مع أثقاله ونتائجه، بما يؤمن الالتزام بقانون الجنسية الكويتي الذي لا يتقبل الازدواجية.
شعرت بأن سمو ولي العهد، يتابع ما ينشر عن التركيبة السكانية في الكويت، وضرورة التعامل معها، بما يحقق الوصول إلى مستوى النسب المقبولة دون الإخلال في احتياجات المجتمع.
وعن انفتاح جسور الحوارات مع أطياف المجتمع الكويتي لم يتردد سمو ولي العهد في إبراز أهمية نهج الأبواب المفتوحة مع الجميع، دون تردد وبالطبع لمن يحمل إسهاماً مفيداً للمجتمع.
كان سمو ولي العهد على دراية بما يشغل بال الكويتيين، أمنا واقتصاداً وتعليماً، وبمخاوفهم من المساس بسلامة الهوية، وتأثيرها على السيادة ودعم الشرعية مع توقعات بتنفيذ المشاريع ذات البعد الاستراتيجي، وردد معي آماله بأن لا يبخل أهل الخبرة عن المشاركة، ولا تتردد الشركات الكبرى عن إبراز رعايتها، وتواجدها ضمن الهياكل التي تحتاجها خريطة المستقبل.
ويمكن الإشارة إلى حجم اهتمام سمو ولي العهد بتأمين الاستقرار وتأكيد السكينة، فقد كان واضحاً بأن محدثي رجل أمن، العارف بأن أنجع الآليات لتحقيق الأمن هي نعومة الأسلوب والبعد عن الغلاظة فأكثر مسببات الفشل حضور الحماقة في بيئة البحث عن الحقيقة.
تسيدت نغمات الحزم خلال الحديث عن مسؤوليات الحكم في الاصطفاف في الصف الأمامي للقيادة مع أهمية الحضور المباشر سواء في الحوارات وفي المناسبات الوطنية، فسموه لا يؤمن بما نسميه في الدبلوماسية الحديثة القيادة من الخلف، التي كان سوقها رائجاً في عهد أوباما وانتهت باختفائها من الأمام وتلاشيها من الخلف، فهذا الابتكار لا يتناغم مع تقاليد الأبواب المفتوحة والتواجد في بطن الحدث لا في حافته، لأن الانخراط في أحاديث الشأن العام أبرز المواصفات في تقاليد الخليج، فلا بد من صونها، وفي هذا المجال يثمن سمو ولي العهد دور الدواوين الكويتية في التواجد الاجتماعي ويعتبرها آلية تساعد في الوصول إلى التفاهم السياسي في قضايا الدولة.
وآخر النقاط التي يراها سموه، وسببت استفزازات اجتماعية، كما ساهمت في ضياع التركيز حول الحقيقة هي موسوعة التضليل المتمثلة في ما يسمى شبكات التواصل الاجتماعي Social Media، وكان متحسساً جداً من آثارها على المجتمع الكويتي وايقاعاتها السيئة على المزاج العام.
شكرت سموه على موافقته لإبراز أهم الملامح في مسار الدولة المستقبلي، فوافق مردداً بأنه لا يطيق النظر في أحواض الثناء والمديح، وترك لي التصرف..
فجددت الشكر والتقدير على ثقته، وآخر كلمتين، هما شعوري بالارتياح بأن المستقبل يخترن مسرات في معظم دروب الدولة مع اطمئنان على حجم إلمام القيادة بما يجب أن تكون عليه الكويت.
***
فقدان إنسان فاضل وصديق..
نؤمن بأن لكل إنسان يوماً يقابل فيه الخالق العظيم، وفي عهد كورونا كم فقدنا من قريب أو صديق، ومن الذين فقدانهم في الأسبوع الماضي المرحوم خالد ناصر الصانع، صاحب الأخلاق الرياضية الحميدة الذي تميز بعطائه في مجال الرياضة لاعباً وموجهاً وحامياً لمعانيها في حسن الخلق وطيب المعشر وجمال التعامل، ورغم انشغاله في مجال الصناعة، حافظ على تواجده في الحركة الرياضية كأبرز المؤسسين لنادي كاظمة.
نقل في علاقاته كرجل أعمال جمال القيم الرياضية التي تبناها إلى حوارات الصناعيين..
رحمه الله وأسكنه واسع جناته، وألهم أهله الصبر والسلوان، وكل نفس ذائقة الموت.
نقلاً عن "القبس"