في اليوم العالمي للمفقودين.. قلوب لا تلتئم جراحها
"أقل شئ يمكنني القيام به هو أن أواصل البحث... يجب أن أضع نهاية لهذه القصة" هكذا قال أديب ذو الـ34 سنة بمشاعر قوية والذي لم ينقطع مع عائلته عن البحث عن جدّه المفقود منذ الحرب الأهلية في لبنان في سنة 1975.
مع أن أديب لم يقابل جدّه قط ولكن الشبه الذي يجمعه به هو بمثابة تذكير متواصل لكل العائلة بأنهم، و بعد مضي أربعين سنة، لا يزالون ينتظرون إجابات عن مصير الجدّ المفقود.
لا حرب إلا وصاحبتها أعداد كبيرة من المفقودين. في منطقة الشرق الأوسط حيث تندلع النزاعات الجديدة بشكل متواصل، يأتي كل نزاع جديد ليغطي عن ما سبقه فتتراكم أعداد المفقودين بشكل مفجع.
في منطقة أنهكها العنف وانعدام الأمن والحرمان، تُمثّل عدم قدرة الذين فقدوا أحباءهم على بلوغ إجابات في مايخص مصير ذويهم عذابا نفسيًا وعاطفيًا لا متناهيين.
على هامش الذكرى السنوية لليوم العالمي للمفقودين التي تصادف يوم 30 أغسطس، من المهم أن نذكر أن الحروب وإن صارت من الماضي ولكن لا يزال أثرها واقعًا ملموسًا بالنسبة لعائلات المفقودين.
هل تعلمون، على سبيل المثال، أن عدد المفقودين في العراق هو واحد من أكبر أعداد المفقودين في العالم؟ الإحصائيات تقول بأن بين 250,000 و مليون شخص فقدوا خلال النزاعات والعنف الممتد لعشرات السنوات والمتواصل إلى يومنا هذا. كل عائلة بالعراق لها قصة عن شخص قريب مفقود لم يعد أبدا إلى بيته.
أجد أنه من الصعب استيعاب أنه هناك آلاف من الآباء والأبناء والإخوة المفقودين منذ الحرب بين إيران والعراق بين 1980 و1988. تحديد مصير هولاء هو مهمة في غاية الصعوبة وذلك بالرغم من الجهود الجبارة التي نبذلها. ولكن علينا الاستمرار من أجل عائلاتهم. كما يجب على الدول أن تلعب دورها. كل فرد مفقود مهم.
للأسف وبالنسبة للعديد، يفوت الأوان دون الحصول على إجابات. لن أنسى أبدا قصة نبيهة والدة أحمد، الجندي العراقي الذي أُرسل إلى جبهة القتال خلال الثمانينيات. وقفت نبيهة وبشكل يومي على قارعة الطريق في انتظار مرور القافلات العسكرية العائدة من الجبهات. فعلت ذلك بانتظام إلى يوم فارقت فيه الحياة، وكانت في كل مرة تحمل يافطة عليها اسم أحمد وترفعها كلما تمر قافلة على أمل أن يكون ابنها على متن أحدها.
فارقت المرأة المسنة الحياة وتلك اليافطة بجانب سرير موتها وكأنها شهادة عن عدم اكتمال رحلة بحثها.
لا أحد يستحق أن يقضي حياته ويموت وهو مكسور الخاطر. ولكن وللأسف هذا هو ما يعانيه جيل كامل من العائلات دون ظهور حل آخر في الأفق نظرًا لمخلفات النزاعات السابقة والقائمة.
بالنسبة لعدد هائل من العائلات واقعهم اليومي يتضمن كراسي فارغة حول موائد العائلة وملابس متروكة وصور نادرة لأحباء مفقودين وأعياد ميلاد بدون أصحابها . يعيش هؤلاء على أمل أن يحصلوا على إجابة شافية ولايستطيع أي شئ أن يكسر إصرارهم على الحصول على ذلك.
الأمل هو ما يشعل العزائم الخامدة ولا يمكن الاستهانة بقوة العزيمة. خلال مارس 2021، تم تسليم رفات 20 شخص من الكويت فُقدوا خلال حرب الخليج في 1991. فتمكنت عائلاتهم بعد 30 سنة من الانتظار المؤلم بأن يقدموا لهم دفنًا كريمًا.
في لبنان حيث هناك آلاف من المفقودين، شكّل إقرار القانون رقم 105 حجر أساس بالنسبة للعائلات بشأن ذويهم المفقودين حيث يقضي القانون بتشكيل الهيئة الوطنيّة للمفقودين والمخفيين قسرًا.
هذه الأمثلة هي دليل أنه هناك ما يمكن فعله. فحتى وان كان من غير الممكن تفادي الحروب والتهجير لكن من الممكن تفادي أن يظل الناس مفقودين.
العمل على هذا الملف يحتاج المثابرة والإصرار اذ من الممكن أن تمضى سنوات في سبيل الحصول على إجابات. ومن واجب الحكومات والجيوش والجماعات المسلحة أن يعملوا على إعطاء المعلومات التي لها أن تنهي انتظار العائلات. كما يجب على الدول أن تواصل دعمها للعائلات عبر البحث والتعرف على الجثث.
توفيت نبيهة وهي مكسورة الخاطر تماما كالعديد من ذوي وأحباء من فقدوا الذين يواجهون نفس المصير. لذلك فعلينا مواصلة الجهود لمحاولة إنهاء معاناتهم.