الأميرة السودانية التى عشقها الزنوج
في العام 1936 كان المخرج الأمريكي ثورنتون فريلاند في مصر يبحث عن نجاح جديد له بعدما عمل مع استوديوهات capital film في إنجلترا، إذ اعتمد على تنوع الأعمال ما بين الكوميديا والبوليسية والحركة، وجاءته فكرة عمل فيلم يتناول فيه قضية التفرقة العنصرية، وأن يجعل من الصحراء الكبرى مسرحًا لأعماله، وبالتعاون مع المغني الأمريكي الأسمر الشهير آنذاك بول روبنسون، قرر خوض غمار التجربة، بل والاستفادة منها قدر الإمكان، خصوصًا وأن صناعة السينما كانت بكرٍ في تلك الأثناء، وعلى الرغم من خطورة تلك الفكرة لإعتبارات عديدة منها بدائية آليات العمل، قرر خوض غمار التجربة بفيلمه Jericho ، الذي ناقش فكرة التفرقة العنصرية بشكل سريع.
الفيلم دارت أحداثه حول جندي أمريكي أسمر، سُجن ظلمًا بتهمة عصيان الأوامر والقتل الخطأ لضابط في سفينة، وكيف أنه قد هرب من محبسه بالسفينة التي كانت على الساحل الشمالي لأفريقيا، ليستقل قاربًا، ويصل به للصحراء الكبرى، فينغمس وسط الطوارق، ويتزوج من الأميرة جارة ابنة زعيم أحد القبائل، فتبدت شهرته في العلاج والحكمة، إلى آخر الفيلم الذي يقرر فيه بول إعطاء لمحة أمل لأصحاب البشرة السمراء، في أن صاحب البشرة السمراء من الممكن أن يكون هو السيد في أراضٍ أخرى.
وأثناء تصوير كان فريلاند يبحث عن مواصفات من ستقدم الأميرة جارة، فتاة سمراء، ذات ملامح شرقية أصيلة، ولها أسلوب عربي محبب للخيال الغربي، ووقع في حيرة، وفي 1936 سافر لمصر وشمال أفريقيا لتحديد المناظر الخارجية للتصوير، وبالصدفة حضر عرضًا لمسرحية صندوق الدنيا لنيازي مصطفى ومن بطولة فتاة مصرية تقمصت دور أمريكية سمراء، وبالتعرف على الفتاة علم بأن اسمها هو ناجية إبراهيم بلال، وأنها كانت تعمل كمونتير في مصر، وعلى الفور عرض عليها العمل معه في فيلمه الجديد، ولما كان فريلاند من محبي تصنع الدعاية المُلفقة اتفق على أن يصطحب الفتاة الجميلة، والسفر بها للندن وإلباسها فاخر الثياب التقليدية للسودانية، مع لمسات من المكياج ليعمل مؤتمرًا صحفيًا ضخمًا في فندق كلاريدج بضاحية مايفير بالعاصمة الإنجليزية لندن في ديسمبر 1936، وصرح بأن فيلم سوف يكون من بطولة أميرة سودانية هاربة من السودان ومحبة للفن وقررت العمل كممثلة، وأن هذه الأميرة تسمى كوكا!!
وبتلك الدعاية عُرض الفيلم الذي حقق إيرادات جيدة جدًا إذ كان لبول روبنسون بطل الفيلم شعبيته، وكان آداء ناجية جذابًا بحالٍ جعلها نجمة في أعين زنوج أمريكا بشكلٍ صنع منها شعبية كبيرة بجمالها الشرقي وملامحها اللطيفة، ذلك النجاح الذي استثمر في مصر، ليصنع منها النجمة المميزة كوكا التي تعاون معها بدر لاما، وتزوجها نيازي مصطفى ليخرج لها أروع أدوارها، لتصير أشهر وأفضل من قدمت دور الفتاة البدوية على الشاشة في مصر والعالم، ولتشتهر في وجدان محبي السينما في دور عبلة أمام العملاق فريد شوقي في فيلمهما الأسطوري عنتربن شداد!!
فبرغم الدعاية الملفقة إلا أن الفنانة الراحلة كوكا برعت في تقديم أفلام مثل وداد، رابحة، سلطانة الصحراء، ليلى العامرية، ظهور الإسلام، لتنهي مسيرتها بفيلمها الأخير أونكل زيزو حبيبي مع الفنان محمد صبحي.
نقلا عن "أخبار اليوم"