إرهاب الذئب المنفرد
جريمتان إرهابيتان حدثتا في أوربا هذا الشهر و بالتحديد في النرويج و بريطانيا حيث قام شاب لاجئ من أصول صومالية بقتل عضو برلمان محافظ وكلاهما تشير الى انهما ارتكبتا من قبل فاعل وحيد.وقد سبق وان شهدت فرنسا و المانيا و العديد من المدن الاوربية الاخرى و ستشهد جرائم ارهابية مشابهة لان إرهاب الذئب المنفرد اصبح الاكثر شيوعا.
بشكل عام هناك نوعان من العمليات الارهابية الاولى يقوم بها فريق ارهابي منظم ومتدرب و ينفذ عملية ما وعادة يطلق عليها الدواعش اسم الغزوة مثلا الهجوم على مقر مجلة جارلي ابدو في باريس او العمليات التي تقوم بها الخلايا النايمة لداعش في المناطق الأمنية الهشة في العراق في ديالى و كركوك و الذي يكون مخططا له و مدعوما لوجيستيا و ماليا من قبل شبكة من التنظيم الارهابي.
اما الشكل الثاني فيطلق عليه عمليات الذئب المنفرد و عادة تاخذ شكل العمليات الانتحارية بالمتفجرات او الاغتيالات او القنص ولكن هناك أيضا جرائم ارهابية يقوم بها فرد الهمته مواقع التواصل الاجتماعي المتطرفة او التردد الى حواضن مجتمعية للتطرف وقرر ان يبادر في تنفيذ جريمته .
و مابعد ١١ايلول ٢٠٠١ و بدء الادارة الامريكية ببرنامج داخلي و عالمي لشن الحرب على الارهاب و احتلال افغانستان و العراق في ٢٠٠٣ و تنفيذ عمليات لمكافحة الارهاب ذات طابع استباقي ، لوحظ زيادة في عمليات من طراز الذئب المنفرد خاصة من قبل مجاميع متطرفة يمينية و ارهابية داخلية. محلية كالتنظيمات النازية او اليمينية المتطرفة ففي امريكا مثلا اعتبر هذا النوع من العمليات هو الاكثر احتمالا من هجوم من قبل فريق ارهابي قادم من الخارج.وفي النرويج قام اندريه بريفيك و باستخدام اسلحة نارية بقتل العشرات من المواطنين العزل. وكانت هناك ايضا عمليات من هذا النوع قام بها افراد يعلنون انتمائهم لمنظمات ارهابية اسلامية سلفية مثل داعش او القاعدة و التي تشكل تحديا للامن الوطني بسبب صعوبة اتخاذ اجراءات استباقية لعدم وجود معلومات استخبارية كافية.
وقد استلهم بعض الارهابيين المنفردين داعش من خلال التأثر بهم فكريا عبر منصات التواصل الاجتماعي او من المساجد التي تروج للفكر المتطرف او في السجن و القيام بحوادث دهس او طعن او اطلاق النار لاثارة الرعب و ترويع المواطنين. و خصصت اجهزة إعلام داعش تسجيلات صوتية و فيديو على الشبكة العنكبوتية تشجع من أعلن الولاء لها في امريكا و كندا و اوروبا ان يتوجهوا لمهاجمة رجال الشرطة و الجيش وبأية سلاح تحت اليد وحذرتهم من مناقشة الامر مع آخرين وان يعمل بسرية تامة.
و في اعادة تقييم السياقات المتصدية للارهاب في امريكا من قبل جهاز الأمن القومي الامريكي في شهادة قدمت الى لجنة للكونجرس ، ان الخطر الرئيس الان هو من متطرفين امريكيين شباب تلهمهم داعش عبر الفضاء الرقمي و يتحولون الى ارهابيين او مقاتلين أجانب. و حيث يوجد ٢٥٠ مجندا داعشي من اصول امريكية في سورية و العراق عام ٢٠١٦.
ويفضل الارهابي من طراز الذئب المنفرد المتفجرات تليها الاسلحة النارية ثم الجارحة، و تطرح هذه ضرورة التركيز على اتجاهات في البحوث القادمة على صيرورة تطور عملية التطرف ومنها العوامل النفسية و الاجتماعية المؤثرة و التحول الى ارهابي من طراز الذئب المنفرد و اختلافها عن الاشكال الارهابية الاخرى. ومن البحوث التي يشار اليها هو ماقام به كريستوفر هيويت في تحليل ٣٠٠٠ حادث ارهابي باستخدام تقارير جهاز الامن الامريكي في الفترة مابين ١٩٥٥ -١٩٩٩ كان منها ٣٠ فقط من طراز الذئب المنفرد و معظمهم من التنظيمات الامريكيةاليمينية المتطرفة.كما لاحظ زيادة ملحوظة بعد ١١ايلول. و في دراسة اخرى قام بها رامون سبايج الذي شخص ظواهر مشتركة منها انه احد اشكال العنف السياسي الا ان المنفذ هو شخص بوحده الذي لاينتمي الى منظمة ارهابية او تاثير مباشر لقائد او تنظيم، و الذي يعتبره تعريف ضيق، و استخدم هذا التعريف لتحليل قاعدة البيانات لمعاهد متخصصة حول النشاطات الارهابية ووجد ٤٠ حالة في امريكا في الفترة بين ١٩٤٠ و لغاية ٢٠١٠ و ٤٨ حالة في اوروبا وكندا و استراليا. ولكن بشكل عام كان هناك ١٩٨ هجوما نفذه ارهابيون على طراز الذئب المنفرد ذهب ضحيتها ١٢٣ شخصا ، وجرح المئات باستخدام المتفجرات و الاسلحة النارية.و تشير هذه الدراسة ان ارهاب الذئب المنفرد اكثر شيوعا في امريكا ومن قبل المنظمات المتطرفة البيضاء اليمينية مع ملاحظة ان هذه الارقام قديمة.
وقد دلت البحوث التي قام بها فريق من الاطباء و علماء النفس على عدد من الذين تم القبض عليهم على وجود أمراض نفسية او عقلية بدرجة أعلى من الارهابيين الاخرين . ولكن ما يعقد الموضوع هو عدم وجود تعريف اجرائي متفق علية بين المختصين في شؤون الارهاب او علم الاجرام عدا انها تعني ان الارهابي يتدرب بمفرده و يختار هدفه بل هناك مجموعة صغيرة تعتبر ان هذا المفهوم غير عملي لان ماهو مهم هو الدوافع الايديولوجية التي تحرك الارهابي و تشكل حافزا لتنفيذها.
وعلى صعيد رسم سياقات التصدي للارهاب فان نوع الذئب المنفرد يحتاج الى طرق جديدة بسبب صعوبة التنبأ بها و قلة المعلومات الاستخبارية التي تتيح للاجهزة المختصة بمكافحة الارهاب القيام بعمليات استباقية .ومن هذه الاليات هو تطوير اشكال من المبادرات المجتمعية لتشخيص إحتمالات التطرف لدى شخص ما والتي يرى البعض انها غير عملية و مكلفة ماليا اضافة الى ما تثيرك من اشكاليات تتعلق بحقوق الانسان. و توجد في عدد من البلدان الاوربية و منها بريطانيا برامج وطنية مجتمعية للتصدي للارهاب و مكافحة التطرف.
* نقلا عن " المدى"