ثقافة تُربّي أبناءنا!

طالب الرفاعي
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

أخبرتني ابنتي فرح، التي درست بمدرسة إنكليزية جميع مراحل دراستها، وتخرجت في جامعات أميركا لتكون دكتورة في قسم الإعلام - جامعة الكويت، بأن ابنتها التي دشّنت سنوات مراهقتها وولدها صاحب السنوات العشر، يريان أنها «قديمة You are old»، وعندما تسألهما مبتسمة عني، يردّون: «بابا طالب قديم جدًا He is very very old» وهما في قناعاتهما يريان أنني من زمن سحيق يصعب عليهما تصوره! وإذ أذكر صيغة ردودهما الإنكليزية، فإنني أقدم للقارئ ثقافة اللغة الإنكليزية، وربما الفرنسية التي باتت دارجة في بيوتنا، وإذا كان ابنا فرح، والحمد لله، يتكلمان العربية، فإن الكثير من أقرانهما ما عادوا يتكلمونها، وصاروا يلجأون للإنكليزية للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم.

ثقافة أبنائنا الناشئة والمراهقين لها بعدها العالمي، الذي جاءت به العولمة، وأذابت من خلاله الكثير من العادات والقيم الاجتماعية، ليس في الكويت فقط بل في بلدان العالم كافة، وهذا ما جعل الثقافة كممارسة اجتماعية تقف عاجزة أمام تجسير الهوة بين مختلف الأجيال، الهوة الفكرية والاجتماعية.

مادة اعلانية

عالم الاجتماع البولندي، الذي عاش في بريطانيا زيجمونت باومان Zygmunt Bauman (2017–1925) يقول: «في ظل الحياة السائلة تهبط المعاني من سموّها لتسكن دائرة السوق، وتغدو سلعاً». نعم، لقد اجتاحت «الحياة السائلة» عبر طروحات العولمة مختلف مناحي الحياة، وصهرت وسيّلت وسلّعت قناعات وممارسات فكرية واجتماعية واقتصادية، تبدأ بعلاقة الطفل بوالديه وأخوته وزملائه في المدرسة، وتنتهي بعموم علاقات الأفراد وسلوكهم الاجتماعي والاقتصادي.

الثقافة كائنٌ هشٌ جدًا، وحساسٌ جدًا، وقادرٌ بتمكّن عجيب على تلطيخ وجهه بأصباغ اللحظة الإنسانية الصارخة! ولذا لم نعد نحن من نربي أبناءنا، ولا عدنا نغرس فيهم المعاني الأسمى للعيش، لكنها العولمة والكمبيوتر، والآي باد، والمواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، وبرامج الأطفال، ونتفليكس، ومنصات الذكاء الاصطناعي، وأفلام هوليوود Hollywood، التي تجاهر العالم بأنها ستكرّس أفلامها القادمة لنشر المثلية وقضايا التحوُّل الجنسي!

أي ثقافة تلك التي نريد أن نربي أبناءنا عليها ليكونوا قادرين على مواجهة اللحظة الإنسانية القاسية التي نحيا؟ لحظة تُقدّم العنف والقتل بوصفهما ممارسة يومية عادية، على مستوى الخبر التلفزيوني والفيلم والمسلسل، وعادية في الحوادث الحياتية المروّعة، حين يدخل مراهق حاملاً رشاشاً ليطلق الرصاص في المدرسة والسوق وصالة الرقص.

كيف يمكن للثقافة أن تقف في وجه ترويج العنف؟ وصدّ المدّ الهادر بقيم الاستهلاك؟ ومجاراة صراخ السياسيين بافتراءاتهم؟ الإجابة وعبر التاريخ البشري تقول: الثقافة لا تعدم الوسيلة!

هذه الهشة، هذه الناعمة سلاحٌ فاعلٌ ومؤثّر، وهي حائط الصد الإنساني الأجمل!

نقلاً عن "القبس"

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط