الرحالة الأخير

من الهجي إلى ناقلي المفاتيح .... و بالعكس ( الحلقة 5 )

بين جُبّة و مشارفِها، تحرّكَ الرحالةُ الأخير، مع رِفاق الرمالِ و الجِمال، إلى جبلِ أم سلمان، يرافقهُم ويؤانسهُم غناءُ الهجي.الاقترابُ من تفاصيلِ غناءِ الإبل، أو حِداءِ القوافل ، يقتصر ُ عادةً على أهلِها، فهو بالنسبةِ للأذُن غير ِ العارفةِ بالصحراء و أهلِها ، مجردُ همهمةٍ تصعدُ تارةً و تخِفَّ أخرى. بول مارسيل تجاوزَ هذه المسلمّة، و عَبَرَ هذا التفصيلَ ليقتربَ من تفاصيلَ أكثرَ خصوصيةلا تُثير جبّة خيال َالرحالة فحسب ، بل تثير إعجابَهم أيضاً، فلم يكنْ بالغريب ِ أن تَدخُلَ على خرائطِهم محطةٌ أساسية من محطاتِ النفود. هذا الانطباعُ حرِصَ بول مارسيل على أن يوصِلـَه إلى أهلها و أن يوصل قصص شعرائها الأشهر . ما سمِعَه مارسيل عن الشاعر ِ الأمسح في عذفا ، لم يكن كافياً له على مايبدو ، فَواصلَ الاستقصاء عنه في جُبة.في يوم ِالرحلة الـخامس غادرت القافلةُ جبّة، متجهة إلى قناـ محطةٌ مستعادة أخرى كان قد مرّ بها بول مارسيل في رحلتهِ الأولى قبلَ أكثرَ من خمسةٍ و عشرين عاماً. ليقابل الشيخ عيادة بن عبيكة الشمري، أميرَ هذه المنطقة ، و اليوم يعودُ لمقابلةِ الشيخ مذود بن عيادة ، نجلِ الشيخ عيادة وواحدٍ من حضورِ اللقاءِ القديم بأبيه.العودةُ إلى قنا ، عودةٌ إلى حواراتٍ قديمة فيها الخلافُ الجميل، و الحديثُ الممتع، الذي زادَه الصديقانِ اللدودان بخيتان و بول مارسيل حياةً وحيوية، يحتاجُها عابرو الصحراء دائماً مع كلِ لقاءٍ للرحالة بول مارسيل بصديقٍ من الرحلةِ الأولى، يكشِفُ عن معرفةٍ عميقة بثقافةِ الباديةِ و موروثها ، متجنباً ما وقعَ فيه الكثيرُ من الرحالة حين تواصلوا مع هذا الجزءِ من العالم من الخارج فاستبَقُوا الأحكام و استنتجوا المجتزأ فجانبوا الصواب .