أكاديمي وباحث سعودي: اللغة العربية حية وتتنفس

د. بندر الغميز يتحدث في حوار مع العربية.نت عن أهمية تشجيع المجتمع على ممارسة اللغة العربية

نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط
7 دقائق للقراءة

"أيهما أفضل أن أكون طبيبًا عاديًا أم لغويًا متميزًا؟!" هكذا كان رد دكتور اللغويات التطبيقية على معلميه في المرحلة المتوسطة عندما علموا أن توجهه في دراسة الجامعة سيكون في تخصص اللغة العربية، وهو حالياً أكاديمي وباحث في اللغويات التطبيقية بجامعة الملك سعود في مدينة الرياض.

الدكتور بندر الغميز الذي تخرج في جامعة الإمام محمد بن سعود متصدراً على زملاء دفعته، عمل معيداً في جامعة الملك سعود في بداية عام 2010، ومن ثم استكمل دراسته لمرحلة الماجستير بجامعة جنوب ولاية إلينوي الأميركية في عام 2013 في تخصص اللغويات التطبيقية وتخصص دقيق في الصوتيات الإنجليزية والعربية، وواصل تعليمه حتى حصل على درجة الدكتوراه الفلسفية في عام 2018 من جامعة إنديانا بلومينقتون الأميركية بتخصص دقيق في التداولية مع مسار ثانوي باللغة الفارسية.

"العربية.نت" حاورت الدكتور بندر الغميز حول سيرته ومشواره العلمي والعملي، وعن أهمية تشجيع المجتمع على ممارسة اللغة العربية في وقتنا الحالي، ورأيه في سيطرة اللغة الإنجليزية بوصفها لغة عالمية على المجتمعات العربية، وإلى نص الحوار:

بندر الغميز
بندر الغميز

ـ هل بالإمكان أن تعطينا لمحة تعريفية عن الدكتور بندر الغميز وعن مراحله العلمية والعملية؟

التحقت بالمدارس الحكومية بالرياض حتى تخرجت فيها، وكنت قد بيّت النية من الصف الثالث متوسط بأن أتخصص باللغة العربية حبًا في الأدب والشعر والإلقاء منذ الصغر، كان المعلمون يستغربون ذلك ويطلبون مني مراجعة توجهي مقارنة بمعدلي العالي على مستوى المدرسة، وكنت أرد عليهم بسؤالهم: أيهما أفضل أن أكون طبيبًا عاديًا أم لغويًا متميزًا؟! نعم معدلي يؤهلني للتخصصات العلمية لكن لا أجد نفسي مبدعا فيها، أصررت على توجهي والتحقت بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وتخرجت فيها متصدرًا الدفعة بتوفيق الله، لكن شغفي بالأدب بدأ يقل وشعرت بالتشبع سريعًا فقررت الخروج من التخصص إلى تخصص تطبيقي يتقاطع مع اللغة، وفي عام 2010 تعينت معيدّا بجامعة الملك سعود على أن أدرس الماجستير والدكتوراه في تخصص اللغويات التطبيقية. تخرجت في جامعة جنوب ولاية إلينوي عام 2013 في تخصص اللغويات التطبيقية وتخصص دقيق في الصوتيات الإنجليزية والعربية، بعدها بسنة درست الدكتوراه الفلسفية بذات التخصص العام في جامعة إنديانا بلومينقتون بتخصص دقيق في التداولية مع مسار ثانوي باللغة الفارسية، حصلت على درجة الدكتوراه في عام 2018م ولله الحمد.

ـ ما اللغة .. وكيف تعرّف؟

إجابة هذا السؤال من الناحية الفلسفية والوجودية معقد، وتختلف حسب السياق فنقول "لغة التواصل، لغة الإعلام، لغة الإشارة، ولغات البرمجة"، فمن العلماء من يبسطها بأنها وسيلة التواصل لتبادل الأفكار والمشاعر بين أعضاء جماعة متجانسة، وكما عرفها ابن جني بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، ومنهم من يرى أنها بيت الوجود كما وصفها هايدغر، ففيها تسكن تصوراتنا وبواسطتها نفكر ولولاها لما تفوقنا عن سائر المخلوقات، ولذا أطلق علماء الأحياء وصف الحيوان الناطق على الإنسان، إلا أنه لا يمكن التغافل عن كون اللغة مرتبطة بهوية الأمم والتعبير عن ذاتها، كما أن علاقة حضاراتها بلغاتها علاقة طردية يقوي كل منهما الآخر، ولذا يقول المسدّي "من ظن أن اللغة شيء والسياسة شيء آخر فقد وضع نفسه خارج منطق التاريخ".

ـ كيف ترى أهمية اللغة العربية في وقتنا الحالي؟ وما السبل التي تعتقد أنها تساهم في تشجيع المجتمع على ممارستها بشكلها الصحيح؟

اللغة العربية مهمة في كل الأوقات وليس في وقتنا الحالي فقط؛ كونها لغة القرآن الكريم ثم لكونها مستودع إرثنا الحضاري والثقافي، وتزداد أهميتها في وقتنا الحاضر لسببين: الأول مرتبط بتسهيل التقنية والإعلام الجديد التعرض للغات العالم بشكل كبير مما يؤثر على تراجع ثراء اللغة العربية بالعلوم الحديثة، ومواكبة ابتكار المصطلحات المناسبة مما يجعلنا نتلقى المعلومة بسياق صاغه الغريب على ثقافتنا، فنفهم العالم من خلالهم وقد تصل بنا الحال أحيانًا بأن نرى أنفسنا ضمن خطاباتهم وسياقات لا تنسجم مع منطلقاتنا الفكرية، السبب الثاني هو ما نشهده من نهضة تنموية كبيرة في المملكة العربية السعودية لتحقيق رؤية 2030.

بندر الغميز
بندر الغميز

وهذه الرؤية الطموحة قادرة على الاستعانة بثراء اللغة العربية في المسميات والفعاليات الثقافية الكبرى لتصبح لغتنا في مكانة عالمية مرموقة تليق بها، كما أردد دائمًا أن المنتج الحضاري الناجح يسوق للغة المنتج وليس العكس، ولهذا نجد أن "أبشر، توكلنا" أصبحت كلمات رنانة، كما أن "القدية، العلا" أصبحت أماكن راقية، وذلك لصورتها الذهنية الجديدة في السوق العالمية، نعم نحتاج للغة الإنجليزية لعالميتها لكن لا نحتاجها فيما يتقاطع مع أسماء مشاريعنا الرائدة وأماكننا التاريخية وشوارعنا ومنتجاتنا المحلية، نحن أمام فرصة من ذهب لتسويق لغتنا عبر رؤيتنا الطموحة.

أما ما يساهم في تشجيع ممارستها بشكل صحيح فهو بكل بساطة أن نتواصل بها ما لم يكن هناك ضرورة قصوى لاستخدام اللغة الإنجليزية، فمثلًا: لماذا نتحدث ونتراسل في العمل باللغة الإنجليزية؟! هل العربية عاجزة عن القيام بالدور المطلوب؟ المشكلة في عربية الموظفين لا في العربية.

ـ كيف ترى سيطرة اللغة الإنجليزية بوصفها لغة عالمية على المجتمعات العربية .. وما سبل الحل؟

مسيطرة إعلاميًا وهذا قد تصعب المنافسة فيه على المدى القريب لأسباب يطول شرحها، والذي لا أفهمه أنها بدأت تسيطر على التخصصات العلمية في الجامعات العربية بنسبة 75% حسب آخر الأبحاث، وهذا مهدد لمخرجات التعليم وهو ما أشارت إليه منظمة اليونسكو بناءً على تقييم تجربة التعليم في سنغافورة، حتى أطلقت مبادرة دعم التعليم باللغة الأم، الدول العربية تنفق المليارات على المشاريع التنموية لكنها للأسف تتجاهل أهمية توطينها بتعريب هذه العلوم من خلال دعم الترجمة دعمًا يواكب هذا الصرف الكبير، ترجمة العلوم هو سبب نهضة الغرب اليوم، وأحد أسباب حضارتنا سابقًا، المهمة ليست مستحيلة، ومن خلال اطلاع ودراية بالمجال أؤكد لك أنه يمكننا التعلم بلغتنا مع الوعي بسرعة تجددها بلغات أجنبية.

ـ هل اللغة العربية ميتة؟

حية تتنفس ولله الحمد، وها نحن نتواصل بالعربية في شبكة العربية، لكننا نقيس مدى تراجعها وتأثير اللغة الإنجليزية عليها لنضعها في مكانة أفضل.

ـ كيف نعالج التحديات التي تواجه اللغة العربية؟

نحتاج لزيادة الوعي بدور السياسة والتخطيط اللغوي في القطاعات الحكومية والخاصة، والتي تتضمن:

• تحديد المعايير المتعلقة بالقضايا اللغوية وعلاقتها بالمجتمع.

• سن الأنظمة واللوائح والقوانين الرسمية الخاصة بالمنظمة فيما يخص اللغة المستخدمة داخل المنظمة.

• تحويل تلك الأنظمة واللوائح والقوانين على أرض الواقع لممارسات عملية من خلال بناء وثيقة محددة لهوية المنظمة اللغوية تمكّنها من تحقيق أهدافها.

• تمكين الدور الرقابي على المشهد اللغوي بإصدار غرامات على من يخالف سياستنا اللغوية.

ـ نلاحظ في بعض الأماكن العامة في السعودية، سعودي يتحدث مع صديقة السعودي بلغة إنجليزية كذلك تفعل بعض العوائل عند التحدث مع أطفالها.. كيف تفسر هذه الظاهرة؟

قد يتبادر لذهن قارئ السؤال أن السبب هو "التظاهر بالمعرفة والتطور" وهذا صحيح لكنه ليس السبب الوحيد، فأسباب التبديل اللغوي متعددة، منها: ضعف اللغة الأم، والتعرض للفظة الأجنبية أكثر من العربية ككلمة "برزينتيشن مقابل كلمة عرض أو كلمة كابتن مقابل قائد، لكن مع تسويق لغتنا على لسان المسؤولين والمشاهير وفي الفعاليات الرياضية والترفيهية يساعد في الحد من هذه الظاهرة.

وأما فيما يخص تحدث الوالدين مع أطفالهما باللغة الإنجليزية فهو مشاهد ومؤسف، التحدث مع طفلك بالإنجليزية فقط؛ يعني عزله عن قصص جدّه وجدته، عن أمثاله الشعبية عن لغةٍ تشبهُ ملامحه، يعني أن تدفعه إلى الآخر وتبقى أنت بحكايا عواطفك وسليقة مشاعرك بمعزل عنه، يعني أنك سرقت من جسده لسانَه فلا هو ابنهم ولا فهم أهله، يعني أن يسمع قيَمهم وتتُرجم إليه قيمك، فأين قيمته؟! اعتزازنا بلغتنا وإعطاؤها أولية لا يعني أبدًا التقليل من أهمية اللغة الإنجليزية في المستقبل العلمي والوظيفي، المهم ألا يكون على حساب لغتهم الأم، وهذا بديهي عند اللغويين.

انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة

تم اختيار مواضيع "العربية" الأكثر قراءة بناءً على إجمالي عدد المشاهدات اليومية. اقرأ المواضيع الأكثر شعبية كل يوم من هنا.