وطنيّـة اليـوم
قبل سنوات قليلة كنا قد دخلنا لعبة السخرية من مصائبنا وكوارثنا، تمامًا كما تفعل شعوب أخرى عاشت مغلوبة على أوجاعها؛ إذ شكّل حينها موقع تويتر، وهو إحدى أهم منصات الرأي العام للسعوديين مساحة شاسعة للتعليقات الساخرة على حدث هنا أو كارثة هناك، وهو بلا شك نوع من أنواع جلد الذات، وينبع غالبا من حالة إحباطٍ كبيرة تنخفض فيها نسبة الأمل في الغد أو حتى الحلم في الإصلاح، وأذكر أنني حينها كتبت مقالة بعنوان «ثقافة الضحك» حينما قلت فيها: «إننا نحاول القفز على أوجاعنا وهمومنا بالضحك منها والبكاء علينا من خلالها، وهي رؤية وإن كانت عاجزة في مفهومها التاريخي إلا أنها حتما مؤثرة ونافذة وباستطاعتها تجييش رأي عام لكل قضية تتناولها».. كان كل ذلك قبل سنوات قليلة، قبل أن تتجلّى لنا هذه الرؤية التنموية والحضارية رؤية 2030، فينتقل معها المجتمع من انكساراته لأحلامه ومن جلده لذاته إلى حضور عزّة وفخر، ولا أبالغ حقيقة حينما أقول بثقة إن هذا العصر تحديدًا شهد تغيّرًا جوهريّا في مفهوم الوطنية وتعاطينا معها كقيمة وجودية، ولا يعني هذا غياب الوطنية عن ماضينا القريب لكن حياتنا اليوم ومنجزاتنا وخطواتنا الإصلاحية التي تسابق الزمن، وتنفض الغبار عن معوّقات أمسنا، - مع انتباهنا أخيرًا على المستوى الشعبي للمكائد والمؤامرات التي تحاك ضد بلادنا - بلا شك شكّلت موقفًا مغايرًا مما كنا عليه، فتحوّلت نغمة الاحتجاج الساخر على مواقع التواصل الاجتماعي إلى نغمة فخر واعتداد وثقة بهذا الوطن حتى لو بدا لنا تعثر هنا أو هناك على مستوى الخدمات، فالملاحظ أن تلك الحالات الاحتجاجية الساخرة في أمسنا القريب تحوّلت إلى ثقة مطلقة بقيادتنا لاستدراك هذه العثرة أوتلك، والأجمل من كل هذا الاستجابة السريعة، والتفاعل الكبير بين الجمهور التويتري «الرأي العام» والجهات ذات العلاقة لأي عارض هنا وهناك، نعم انتهت مرحلة السخرية من مصائبنا وجلد ذاتنا وبدأنا مرحلة الاعتداد بحاضرنا وانتظار غدنا بعزة وفخر لم يسبق له مثيل.
* نقلا عن "الرياض"