ضبط السلوك العام
حتى كتابة هذا المقال وعدد الإصابات في ازدياد، ومن المتوقع أن تستمر الزيادة أياماً لا يعرف عددها، وقد تصل لأسابيع إن استمرت الأسباب الجذرية لانتشار العدوى دون معالجة. لا شك أن الزيادة متوقعة، وقد أعلنت وزارة الصحة بوضوح أن الخطر موجود وأن الوقاية منه تعود لسبل الوقاية المتاحة للجميع. وقد مضى وقت طويل تابع الناس فيه مستجدات المرض وكل ما يتعلق به لحظة بلحظة، حتى لم يبق خبر لم يطلعوا عليه أو معلومة لم يستوعبوها. ومع كل ذلك، فإن الأرقام تروي لنا قصة أخرى.
الأعداد التي زادت اليوم عن أمس هي من نتائج عدوى ظهرت أعراضها اليوم وأصيب بها المريض قبل أسبوعين تقريباً. مما يعني أن كل إجراء يتخذ اليوم لن تظهر نتائجه إلا بعد فترة قد تزيد على الأسبوعين حتى يتوقف أثر الإجراءات السابقة. هذا النموذج الذي ينطوي على تأثير مؤجل، يفسر لنا سبب زيادة أعداد المصابين مع وجود قناعة كافية بوجود المرض وخطورته.
فعلى مستوى الأفراد، فإن الذين لا يتعرضون للمرض يشعرون باطمئنان كاذب لسببين: أولاً، لا يرى الفرد المرض في محيطه حتى يصاب به، لأن المرض ينتشر دفعة واحدة فإما أن يصاب هو وكل من يختلط بهم وإما لا يصاب. ثانياً، لا يستطيع أن يعرف على وجه التحديد متى أصيب بالمرض وكيف؟ لأن الأعراض تتأجل، وقد يختلط بالمجتمع ولا يشعر بنتيجة مباشرة ليواصل إجراءاته الوقائية لنفسه أو لغيره، كما لا يجد مكاسب آنية تشجعه على الاستمرار.
وكما ينطبق التأثير المؤجل على الأفراد فإن له أثراً على سلوك المجتمع العام كذلك. فإن سلوك المجتمع العام يظل على تلقائيته، مهما ارتفع وعي الفرد، لأن الأفراد يحتاجون إلى دعم المجتمع للالتزام بسبل الوقاية. فعندما يندمج الفرد في المجتمع نتيجة عودته إلى الحياة العامة فإن السلوك العام هو الذي يحكم تصرفه، فإذا حقق السلوك العام إجراءات الوقاية كما يجب، فذلك يشجع كل من ينضم إلى الحياة العامة بالالتزام حتى لو كان مفرطاً، وإذا كان السلوك العام خلاف ما ذكر، فسيثبط كل من ينضم إلى الحياة العامة حتى لو كان ملتزماً.
من أجل ذلك، يتبين لنا أهمية ضبط السلوك العام للحد من العدوى، وقد اتخذت إجراءات محددة منها فرض عقوبة على من لا يلتزم بلبس الكمامة في الأماكن العامة، ومنع التجمعات الكبرى وتحديد ساعات التجوال. لكن مع وجود الإجراءات هذه لضبط السلوك العام، وقد استخدمت في الفترة السابقة، إلا أن الأرقام تدل على أننا بحاجة إلى إجراءات أخرى جديدة. من هذه الإجراءات ضبط السلوك العام في الأماكن المغلقة بوسائل آلية. فيمكن أن تضبط الأماكن المغلقة، كالمساجد والمؤسسات والأسواق، كما تضبط حركة المرور. فإن كانت الإجراءات موجودة فقد يكون القصور في وسائل الرصد.
* نقلا عن "الرياض"