أكلتها الكلاب
طفلة لم يتجاوز عمرها أربع سنوات، تختفي من استراحة العائلة ثلاث دقائق، خرجت فيها من الباب، لتلتقطها خمسة كلاب ضالة، بمنطقة الواشلة في مدينة الرياض، وتمزق جسدها.. وسط صرخات الأم المفجوعة. انطلق الجميع لإنقاذ الطفلة، هربت الكلاب، وبقت الطفلة غارقة بدمها. احتضن الأب ابنته، ورفعها بين يديه وهي تنزف، وابتسمت لوالدها ابتسامة الوداع.
ماتت شهد، ووجه يومها أمين منطقة الرياض الأمير فيصل بن عياف بتشكيل لجنة للنظر بالحادثة، مؤكداً ضرورة حصر المواقع كافة التي تنتشر فيها الحيوانات الضالة بما فيها الكلاب والقطط، على أن تضم اللجنة أطباء بيطريين ومختصين في مجال أمن البيئة والوقاية الصحية ومراقبين صحيين، وذلك بالتعاون مع جمعيات الرفق بالحيوان لبحث سبل التعامل الأمثل مع الحيوانات الضالة!.
شهد ماتت، والحزن عشش ببيت مواطن بيننا وانكسر قلب أم مثلنا! لماذا لأننا بمدينة بها ناطحات سحاب، دخلت التاريخ المعماري الإسمنتي، وتخطيط حضري يتحدى مدناً عالمية!. مدينة تضم 12 جامعة وأكثر من 105 مستشفيات، بعدد سكان يتجاوز ثمانية ملايين نسمة، بنسبة تعليم تجاوزت الـ %98..ولكن الكلاب والقطط الضالة بالأحياء تتجول وعلينا أن نقفل الأبواب!.
أمين مدينة الرياض اليوم في موقف لا يحسد عليه نفسياً ومهنياً، وأنا أتعاطف كل التعاطف معه خاصة وأنه مؤتمن علينا من جهة ومجبر على التعامل مع جمعيات الرفق بالحيوان من جهة أخرى، ما يفتح علينا أهمية الاعتراف بأننا اليوم نعيش ثورتين مترابطتين، يجمع بينهما عامل مشترك هو تداخل الإنسان مع الحيوان. الثورة الأولى معرفية تتعلق بفكرة وحدة الكائن الحي (علم البيولوجيا)، حيث لا يفرق بينهما في الخصائص البيولوجية، بل إن الوعي الذي كان يعتقد أنه خاصية إنسانية فريدة ظهر أن الحيوان يشترك مع الإنسان فيه، ولو على سمات دنيا مثل الإدراك والتذكر والتخيل والتواصل.
أما الثورة الثانية فتتعلق بنمط تساكن الإنسان والحيوان في الوسط الطبيعي، بحيث اختفت اليوم الحواجز والحدود بين الغابات الحيوانية والمنازل البشرية. فقبل عشرة آلاف سنة كانت 99 % من مساحة الأرض تسكن فيها الحيوانات المتوحشة و%1 فقط من هذه المساحة يسكن فيها البشر. أما اليوم فلم يعد يسكن في الغابات المتوحشة سوى %4 من الثدييات، مقابل %36 من المساحة الأرضية يسكنها البشر و60 % منها تسكنها الحيوانات المدجنة. كما تفيد الإحصاءات المنشورة أنه خلال الخمسين سنة الأخيرة قضى الإنسان على %68 من الحيوانات المتوحشة بما فيها 84 % من الأنواع المائية، نتيجة لإجراءات الصيد البري والزراعة المكثفة، والصيد الصناعي والاحتباس الحراري!
لقد تقلص المجال الحيوي لعيش الحيوان، فداهمت الحيوانات المتوحشة المزارع والمساكن، وظهرت علينا الفيروسات الحيوانية المنتقلة للبشر عن طريق الحيوان، مثل جنون البقر وإنفلونزا الخنازير والكورونا الحالية.
الخلاصة أن زيادة نسبة أعداد البشر (من مليار ونصف فرد عام 1900 إلى قرابة 8 مليارات عام 2020) تفرض على الإنسان أن يبدع الحلول المناسبة للتجاور الآمن مع الحيوان، بما يكفل التوازنات البيئية الحامية لصحة الإنسان، والضامنة لاستمرار الأنواع الحيوانية وحمايتها من الانقراض.
من المجزع والمؤسف ما تعرضت له شهد، فلنجعله بداية وعي جديد بسلامة حياتنا الاجتماعية ضمن أخلاقيات التعايش بين الكائنات الحية.
* نقلا عن "الوطن"