كلّهم مع الشعب العراقي

إبراهيم الزبيدي
نشر في: آخر تحديث:
وضع القراءة
100% حجم الخط

بدعوته البرلمان إلى الانعقاد، جدّد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، تأكيد وقوفه مع الشعب العراقي، وقال “أكدنا خلال لقائنا رئيس الوزراء المكلف السيد مصطفى الكاظمي على ضرورة تشكيل حكومة قوية تلبي مطالب العراقيين، وتحمي المصالح العليا للوطن”.
هذه كانت، وما تزال، هي الشعارات المتكررة التي يرددها جميع الذين ظهروا كالطفَح الجلدي على بدن العراق المبتلى، منذ الغزو الأميركي في سنة 2003 وما بعده، دون تبديل ولا تغيير. جميعُهم، مثل محمد الحلبوسي، يرفعون لواء الوطنية والديمقراطية ووحدة الوطن وسيادة القانون، ويخافون على “المصالح العليا للوطن”، ويطالبون بتلبية “مطالب العراقيين”.
ترى إذن من الذي مزّق هذا الوطن، وأحرق الزرع والضرع، واستباح الحرمات، وسطى على الثروات والوزارات والسفارات والمصارف والشركات والصفقات والعمولات، وسرق النفط، وهرّب الملايين من الدولارات والدنانير إلى طهران وعمان ودبي ولندن وغيرها من البلاد التي لا تفرق بين مال حلال أو حرام حين تأتي به حقائب الرؤساء العراقيين والوزراء والمدراء وقادة الميليشيات، حتى وإن كانوا موضوعين على لوائح الإرهاب، ومتهمين بغسيل الأموال؟
كما تعلمون، هناك في أميركا حزبان رئيسان يقتسمان الملايين الأميركية الثلاثمئة في كل موسم انتخابي.
وعادي جدا ويحدث كثيرا أن يتراجع الناخب الأميركي عن إعطاء صوته لهذا الحزب ويمنحه للحزب المنافس، ولكن فقط بقناعته بسلوك قادته وسياساته، وبوعي وتصميم ودراية واستقلال في الرأي غير محدود، وليس بجهالة وأمية، وبدوافع طائفية أو عنصرية أو عشائرية أو بالرشوة، كما يحدث عندنا، وفي الدول المصابة بالعاهات المستديمة التي تشبه دولتنا الرشيدة.
بعبارة أوضح، إن الدافع الوحيد الذي يجعل الناخب الأميركي يقترع لهذا المرشح أو ذاك هو برنامجه الانتخابي وحده، ومدى اقتناعه بجديته وصدقه في وعده بتنفيذه، لا بفتوى مرجعية، ولا بأوامر شيخ عشيرة، ولا بدولار أميركي أو تومان إيراني أو ريال عربي وارد من وراء الحدود.
فهل هناك من يستطيع أن يفيدني ويحدد لي أهم الفروق والاختلافات الفلسفية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين برنامج رؤساء الوزراء المتعاقبين، إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبدالمهدي، ثم المرشحين لرئاسة الحكومة، محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي وأخيرا مصطفى الكاظمي؟
وما هو الفكر الذي جعل حزب الدعوة ينشطر إلى أحزاب، والمجلس الأعلى إلى تيارات، والتيار الصدري إلى ميليشيات تحاربه بلا هوادة؟ وما هي الأسس النظرية والتطبيقية التي جعلت الاتحاد الوطني الكردستاني يقاتل الحزب الديمقراطي الكردستاني؟ وما الضرورة النضالية العقائدية التي جعلت هذا السياسي السني يرفع السلاح بوجه نوري المالكي أو هادي العامري اليوم، ثم يعود غدا وفجأة إلى الطاعة، ويدخل بيت قاسم سليماني وهو آمن؟
ألم تروا كيف أن جميع هذه الأحزاب والتيارات والتحالفات والتجمعات المتقاتلة، ثم المتصالحة، دعمت محمد توفيق علاوي، ثم تخلت عنه، وتحمست لعدنان الزرفي ثم أجبرته على الاعتذار؟
وها هي، وكما رأيتم وترون أيضا، رفضت مصطفى الكاظمي وأصدرت ضده بيانات تدمغه بالعمالة لأميركا، وتتهمه بتدبير قتل قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، وتهدد رئيس الجمهورية برهم صالح بالويل والثبور لإقدامه على ترشيحه بالضد من إرادة المجاهدين في الحشد الشعبي، وبالأخص حزب الله العراقي. ثم، ها هي أيضا، وكما رأيتم وترون، قد اتفقت على تمريره في البرلمان، وكأن شيئا لم يكن، فقط حين صدرت إليها الأوامر والتعليمات الأخيرة من سفارة الولي الفقيه في بغداد، أو من سفارة العم دونالد ترامب. أليس هذا نوعا من أنواع مسرح اللامعقول؟

* نقلا عن "العرب"

مادة اعلانية
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.
انضم إلى المحادثة
الأكثر قراءة مواضيع شائعة
  • وضع القراءة
    100% حجم الخط