الإرهاب والإعلام.. منْ يستخدم منْ؟
النسخة الجديدة من التنظيمات الدينية المتطرفة، وبخاصة العابر منها للحدود والقارات، يعتمد في معركته على سلاح الإعلام، الذي يراه على درجة الأهمية نفسها مع الأسلحة الأخرى التي يستخدمها ضد خصومه؛ ففي أكثر معاركه التي يقتل فيها هؤلاء الخصوم يستخدم الإعلام قبل تنفيذ العملية كتمهيد، وبعد تنفيذ العملية باعتباره جزءاً مكملاً من العملية ذاتها. وهنا تعتقد هذه التنظيمات أن نجاح أي هجوم جنائي من قتل وتفجير يستلزم أن يصل أثر هذه العملية إلى محطته النهائية بحيث يخلق أجواء التأزم التي تصنع الفوضى التي يُنشدها هؤلاء المتطرفون.
الإعلام لم يَغب عن مشهد المواجهة الذي تفوقت فيه جماعات العنف والتطرف التي باتت من خلاله أكثر تأثيراً في أنصارها وهي بعيدة منهم، إذ كانت المنصات الإعلامية بمثابة نقطة التواصل الحية. فقد وضعت خططها واستراتيجيتها عبر المنصات الرقمية الجديدة بطريقة تبدو آمنه لها ولمن يأخذ التكليف منها، وهنا سبقت جماعات العنف والتطرف بخطوة الى الأمام، بينما وقف الإعلام المواجه لها مكتوف الأيدي، لم يفهم مرامي هذا الإعلام فضلاً عن سُبل تفكيكه.
ولكن ما نشاهده هو أن بعض وسائل الإعلام استخدمت، هي الأخرى، تنظيمات العنف والتطرف وقدمت محتوى إعلامياً داعماً لها، وباتت بيانات هذه التنظيمات في صدر نشراتها الإخبارية، بل وأصبح الخبر الأول في هذه النشرات يخص هذه التنظيمات بشكل منحاز.
لا يمكن مواجهة التنظيمات المتطرفة من دون استحضار سلاح الإعلام ومن دون مواجهة إعلام هذه التنظيمات التي نجحت من خلاله في رسم صورة ذهنية مخيفة، ربما تكون أكبر من حجمها. فسلاح الرعب هو بمثابة الاستراتيجية التي تعتمدها هذه التنظيمات في مواجهة الخصوم.
عندما كان المغول يهمون باحتلال بلد، كانوا يشيعون بين أهله أنهم قادمون للحرب كجزء من حرب إعلامية كان لها ثمارها، ويقومون في الوقت نفسه بنشر حكايات القتل والذبح والتمثيل بالجثث وخلافة. وبعيداً من سلوك المغول الذي نقله التاريخ بتفاصيله، فإن وجهته في إدخال الرعب في قلوب الخصوم أدت إلى نتائج مذهله على المستوى العسكري، وهنا حقق الإعلام لهذه التنظيمات ما كانت تصبوا إليه بعدما استدعته من القبائل الفوضوية في القرن الحادي عشر.
الإرهاب يبحث دائماً عن التجمعات التي يحقق من خلالها الفوضى أو ما يرجوه من العمل العسكري، فإرهاب الجماهير هدف أساسي ورئيسي، سواء من خلال أعمال العنف التي تمارسها جماعات التطرف أم من خلال المنصات الإعلامية التابعة لهذه التنظيمات، المسموعة أو المقروءة أو المرئية، وهنا نؤكد أن هذه التنظيمات تنظر إلى الأذرع الإعلامية باهتمام شديد، فترى العمل الإعلامي مكملاً أساسياً للعمل العسكري إن لم يكن جزءاً منه.
بعض الدول الكبرى تدعم بعض جماعات العنف والتطرف من خلال السماح لها بتدشين منصات إعلامية، وقد تكون هذه المنصات معلومة المكان أو مخفية، فتغض الطرف عنها، وأحياناً تسعى إلى تدشين هذه المنصات بهدف تقديم دعم لوجستي يُساعد على بقاء هذه التنظيمات أولاً واستمرار قوتها ثانياً، وهنا يبدو استخدام الإعلام لهذه التنظيمات جزءاً من مفردات الصراع السياسي.
قد تكون بعض المنصات الإعلامية تابعة لحكومات بعض الدول أو تنفق الأخيرة عليها، هذه المنابر تستضيف أمراء التنظيمات المتطرفة وقادتها وتقوم بتقديم محتوى إعلامي يُعبر عنها، وقد تُفاجئنا هذه المنصات بإطلاق لفظة المعارضة على هذه التنظيمات وقد تسميها المعارضة المسلحة من دون إطلاق الوصف الأقرب لطبيعة هذه التنظيمات "المتطرفة" أو التكفيرية، والسؤال كيف نُسمي قوى متطرفة بأنها معارضة؟ إلا إذا كانت هذه المنصات تُدافع عن هذه التنظيمات أو تستخدمها.
نجحت التنظيمات المتطرفة حديثاً في استقطاب كوادر إعلامية محترفة بحكم عولمة هذه التنظيمات، أغلبها أصبح عابراً للحدود والقارات، بما سمح للأجانب بأن يلتحقوا بها ووفر ذلك كوادر إعلامية متميزة؛ هذه الكوادر صنعت طفره في إعلام تنظيمات العنف، كما سعت هذه التنظيمات إلى اكساب أتباعها بعض المهارات الإعلامية التي تسمح لهم بالتواصل وبث محتوى إعلامي يخدم هذا التنظيم أو ذاك، وهو ما يفرض تحدياً يرتبط بضرورة الانتباه إلى الخطاب الإعلامي لهذه الجماعات.
الإعلام بالنسبة الى تنظيمات العنف والتطرف أصبح مهماً في عملية التواصل بين خلاياها سواء التي تعمل في الرصد أم في تنفيذ العمليات المسلحة أو التجهيز للعمليات الإرهابية، والأهم تواصلها مع مجموعات جديدة بهدف التجنيد والاستقطاب.. الرقابة الأمنية فرضت وضعاً دفعها لاستخدام الإعلام في التواصل، فهذه المجموعات متباعدة في المكان رغم تقاربها الأيديولوجي، والإعلام هنا صنع من هذه التنظيمات مادة يومية فتصدرت أخبارها النشرات اليومية وهو ما نعده مبالغة في حجمها النسبي، وهو ما دفعنا لفتح حوار حول استخدامها للإعلام أو استخدام الإعلام في مواجهتها.
نقلاً عن "النهار"